التكبير يوم عرفة (2)

 

الثاني: التكبير المقيد:

وهو الذي يقيد بأدبار الصلوات في ذي الحجة خاصة.

مسألة: متى يبدأ التكبير المقيد؟

 

 

في المسألة ثلاثة أقوال هي:

القول الأول: يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق وهو رواية عن عمر بن الخطاب والرواية الأخرى له يختم ظهر آخر أيام التشريق، وهو قول علي وعائشة y وذهب إليه صاحبا أبي حنيفة، وأبو ثور والثوري وابن عيينة([1]) والشافعي في بعض أقواله([2]) والحنابلة([3])، والمالكية، واختيار شيخ الإسلام([4]).

 

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: قال تعالى: ﴿فإذا أفضتم من عرفات﴾([5]) فذكر عرفات داخل في ذكر الأيام([6]).

 

وأجاب عن ذلك ابن العربي بقوله: هذا كان يصح لو كان قال: يكبر من المغرب يوم عرفة لأنه وقت الإفاضة حينئذ، فأما قبل فلا يقتضيه ظاهر اللفظ، ويلزمه أن يكون من يوم التروية عند الحلول بمنى([7]).

 

الدليل الثاني: لما روى عمار وعلي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في دبر كل صلاة بعد صلاة الصبح يوم عرفة إلى ما بعد صلاة العصر من آخر أيام التشريق([8]).

 

ومن الأدلة ما ورد من آثار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها:

 

ما ورد عن علي رضي الله عنه : أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر([9]).

 

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب([10])

 

وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق([11]).

 

القول الثاني: يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر وهو قول ابن مسعود وعلقمة والنخعي وأبو حنيفة([12]).

 

 

أدلة القول الثاني:

الأول: ما ورد من أثر عن ابن مسعود رضي الله عنهما فعن الأسود أن عبد الله كان يكبر من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر. ([13])

 

الثاني: قول الله تعالى:﴿ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾([14]) وهي العشر، وأجمعنا على أنه لا يكبر قبل يوم عرفة فينبغي أن يكبر يوم عرفة ويوم النحر([15]).

 

وأجيب عن ذلك بما قاله ابن العربي: فأما من قال: يكبر يوم عرفة ويقطع العصر من يوم النحر فقد خرج عن الظاهر لأن الله تعالى قال:﴿في أيام معدودات﴾ وأيامها ثلاثة وقد قال هؤلاء يكبر في يومين فتركوا الظاهر لغير دليل([16]).

 

القول الثالث: يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق وبه قال مالك([17]) والشافعي في المشهور عنه([18]) وهو قول ابن عمر وزيد بن ثابتواتفق معهم ابن عباس على البداية وأما الختم فيرى ابن عباس أن يختم بصلاة الظهر من آخر أيام التشريق([19]).

 

 

أدلة القول الثالث:

الأول: والدليل على أنه يبتدئ بعد الظهر قوله عز وجل: ﴿فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله﴾([20]) والمناسك تقضى يوم النحر ضحوة وأول صلاة تلقاهم الظهر، والدليل على أنه يقطعه بعد الصبح أن الناس تبع للحاج وآخر صلاة يصليها الحاج بمنى صلاة الصبح ثم يخرج([21]).

 

الثاني: أن للتلبية وقتا تنقضي إليه وذلك يوم النحر وأن التكبير إنما يكون خلف الصلاة وأول صلاة تكون بعد انقضاء التلبية يوم النحر صلاة الظهر وآخر صلاة تكون بمنى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق([22])

 

وكذلك ما ورد من آثار عن الصحابة فعن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق([23]) .

القول الرابع: يكبر بعد غروب الشمس من ليلة العيد ويقطعه إذا صلى الصبح من آخر أيام التشريق، وهذا قول للشافعية([24]).

 

 

أدلة القول الرابع:

قياسا على عيد الفطر ويقطعه إذا صلى الصبح من آخر أيام التشريق لما ذكرنا في أدلة القول الثالث.

 

 

الراجح:

قال ابن حجر رحمه الله: (لم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى أخرجه ابن المنذر وغيره والله أعلم)([25]).

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة، ويشرع لكل أحد أن يكبر عند الخروج إلى العيد، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة)([26])

قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم: التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير، ويبدأ التكبير عند أول حصاة من رمي الجمرة المذكورة، وإن كبر مع التلبية فلا بأس؛ لقول أنس رضي الله عنه: (كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه)([27]) ولكن الأفضل في حق المحرم هو التلبية، وفي حق الحلال هو التكبير في الأيام المذكورة، وبهذا تعلم أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام، وهي: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد، لما تقدم من الآية والآثار)([28]) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:" وعلى هذا فالتكبير ينقسم إلى قسمين:

1-             تكبير مطلق.

2-             تكبير مطلق ومقيد.

فالمطلق: ليلة عيد الفطر، وعشر ذي الحجة إلى فجر يوم عرفة.

والمطلق والمقيد: من فجر يوم عرفة إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق([29]).

 


(([1] انظر الهداية شرح البداية (1-87)، بدائع الصنائع (1-195)، المجموع (5-40)، المغني (2-126)، كشاف القناع (2-58).

([2]) انظر المجموع (5-37)، المغني (2-126)

([3]) نظر المغني (2-126)

([4]) مجموع فتاوى ابن تيمية (24-220)

([5]) سورة البقرة آية (198)

([6]) تفسير القرطبي (3-8)

([7]) تفسير القرطبي (3-8)

([8]) رواه الحاكم (1-439) وقال: صحيح الإسناد لا أعلم في رواته منسوبا إلى الجرح قلت لا يكفي ذلك في تصحيحه بل فيه من ضعف وقال الذهبي هذا خبر واه كأنه موضوع انظر:خلاصة البدر المنير (1-237)

([9]) مصنف ابن أبي شيبة (1-488)، قال الألباني في إرواء الغليل (3-125):( وقد صح عن علي رضي الله عنه)

(([10] مصنف ابن أبي شيبة (1-489)، قال الألباني في إرواء الغليل (3-125):( وسنده صحيح)

(([11] مصنف ابن أبي شيبة (1-488)، وقال الألباني في إرواء الغليل (3-125):( وسنده صحيح)

([12]) انظر بدائع الصنائع (1-195)، حاشية ابن عابدين (2-504)، المبسوط (2-43)، الهداية شرح البداية (1-87)، المغني (2-126) مصنف ابن أبي شيبة (1-488)

(3) مصنف ابن أبي شيبة (1-488)

(([14] سورة الحج آية (28)

([15]) انظر المغني (2-126)

([16]) تفسير القرطبي (3-8)

([17]) انظر الكافي (1-78)، المغني (2-126).

([18]) انظر الأم (7-187)، المجموع (5-37)، المغني (2-126).

([19]) انظر بدائع الصنائع (1-195)، مصنف ابن أبي شيبة (1-489)

([20]) سورة البقرة آية ( 200)

([21]) المجموع (5-37)، المغني (2-126)

([22]) الأم (7-187)

([23]) مصنف ابن أبي شيبة (1-489)

([24]) المجموع (5-37)

([25]) فتح الباري (2-462)

(([26] مجموع فتاوى ابن تيمية (24-220)

([27]) صحيح البخاري )1-330)ك:الحج، ب:التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة.

([28]) مجموع فتاوى ابن باز (13-18،19) وانظر "في التكبير" صلاة المؤمن (2-880، 888)

([29]) الشرح الممتع (5-167)



بحث عن بحث