الأعمال التي يستحب عملها في يوم عرفة (2)

 

ثالثاً: ومن الأعمال الصالحة: الذكر:

   الذكر من أفضل الأعمال وأجلها، بل إن المقصود من العبادات هو ذكر الله تعالى كما قال تعالى: (ولذكر الله أكبر)([1]) وقوله تعالى: (وأقم الصلاة لذكري)([2]) فينبغي للمسلم الحاج والمقيم أن يغتنم هذا اليوم المبارك ويكثر فيه من التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، كما ورد ذلك في حديث ابن عمر السابق([3]).

 

 

ومن أنواع الذكر :

1- التهليل:

     من أفضل الذكر في ذلك اليوم شهادة التوحيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"([4])، وفي الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال صلى الله عليه وسلم : "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"([5])

 

عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له"([6]).

 

قال الترمذي: ( لأنه أجزل إثابة وأعجل إجابة قال الطيبي الإضافة فيه إما بمعنى اللام أي دعاء يختص به ويكون قوله وخير ما قلت والنبيون من قبلي لا إله إلا الله بيانا لذلك الدعاء فإن قلت هو ثناء قلت في الثناء تعريض بالطلب وإما بمعنى في لعم الأدعية الواقعة فيه انتهى)([7]).

 

قال ابن عبد البر: (وفيه من الفقه إن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي الحديث أيضا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب، وفيه أيضا أن أفضل الذكر لا إله إلا الله)([8])

 

وعن أبي شعبة أنه قال: رمقت ابن عمر رضي الله عنهما وهو بعرفة لأسمع ما يدعو قال: فما زاد على أن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.([9])

 

وسئل سفيان بن عيينة عن الحديث الذي فيه أكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث فقال سفيان: هو ذكر وليس فيه دعاء، ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين"([10]) قال: وقال أمية بن أبي الصلت في مدح عبدالله ابن جدعان:

 

أأذكر حاجتي أم قد كفـاني             حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليـك المرء يومـاً             كفاه من تعرضك الثنـاء

قال سفيان: فهذا مخلوق حين نسب إلى الكرم اكتفى بالثناء عن السؤال فكيف بالخالق([11]).فعلى المسلم أن يكثر منها بإخلاص فإنها أغلى وأرفع مقامات الذكر والدعاء، وليعلم الحاج أن ترديده لشهادة التوحيد باللسان وحده لا يكفي بل لا بد من حضور القلب والعمل بما تقتضيه هذه الكلمة من معنى، فيحققها بصدق في أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة قلبية أو بدنية حيث يستلزم منه صرف جميع أنواع العبادة لله وحده ، (فلا إله) نفي جميع ما يعبد من دون الله (إلا الله) إثبات العبادة لله وحده سبحانه لا شريك له، قال تعالى:﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿162﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ ([12]).

 


([1]) سورة العنكبوت الآية (45).

([2]) سورة طه الآية (14).

([3]) رواه الإمام أحمد (2-75) وقال أحمد شاكر في شرحه للمسند (7-224): إسناده صحيح.

([4]) سنن البيهقي الكبرى (5-117) وقال البيهقي: تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف ولم يدرك أخوه عليا رضي الله عنه.

([5]) رواه الترمذي (5-572) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه

([6]) رواه مالك (1- 214، 422). قال ابن عبد البر: (قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن طلحة بن عبيدالله بن كريز فقال: ثقة، قال أبو عمر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما رأيت، ولا أحفظه بهذا الإسناد مسندا من وجه يحتج بمثله وقد جاء مسندا من حديث علي بن أبي طالب وعبدالله بن عمرو بن العاص فأما حديث علي فإنه يدور على دينار أبي عمرو عن ابن الحنفية وليس دينار ممن يحتج به وحديث عبدالله بن عمرو = =من حديث عمرو بن شعيب وليس دون عمور من يحتج به فيه وأحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به) انظر التمهيد (6-39)

([7]) تحفة الأحوذي (10-33)

([8]) انظر التمهيد (6-41).

([9]) سنن البيهقي الكبرى (5-117).

([10])مسند الشهاب(1-340)، مصنف ابن أبي شيبة(6-34).

([11]) فتح الباري (11-147)

([12]) سورة الأنعام آية (162-163)



بحث عن بحث