حال العرب بعد نزول القرآن

 

 

 

هذا وصف موجز لبعض أحوال العرب قبل نزول القرآن ، ثم من الله عليهم بنزوله ، وأنقذهم به من ظلمات الجاهلية ، من الكفر والمعاصي إلى نور الإيمان والطاعات وهداهم سواء السبيل .

بل نقلهم من رعاة إبل وغنم إلى قادة أمم وشعوب ، ومن قبائل متناحرة فيما بينها إلى أمة متآلفة متحابة شعارها:(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)(1) .

وشعارها كذلك ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )(2) .

ووعدهم الله تعالى على ذلك بالعزة والكرامة في الدنيا والآخرة .

 أما في الدنيا : فسيادة الأمم والتمكين في الأرض وسعة الأرزاق وحلول البركات ، قال تعالى مذكرا بما كان وما أصبحوا عليه :( وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [ سورة الأنفال / 26 ]  وقال تعالى :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)[ سورة الأعراف / 96] ، وقال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً)[ سورة الجن / 16 ]

قال قتادة مشيرا إلى هذه المعاني التي ألمحنا إليها :" كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا ، وأشقاه عيشا ، وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا ، وأبينه ضلالا ، من عاش منهم عاش شقيا ، ومن مات منهم ردي في النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منهم منزلا ، حتى جاء الله بالإسلام ، فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس ، فبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله تعالى"(3)

وأما في الآخرة : فالفوز برضوان الله تعالى والدرجات العالية في جنات النعيم ، قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ* نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)[ سورة فصلت / 30ــ 32 ]

ولقد عرف المسلمون الأوائل ــ رضي الله عنهم ــ مكانة القرآن والهدف الذي أنزل من أجله ، فطبقوه في واقع حياتهم ، وتركوا عاداتهم وأعرافهم السابقة ، فأعزهم الله بالقرآن ، فسادوا الدنيا بأسرها حتى بلغ ملكهم من المحيط الهندي شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا ، وأصبحوا خير أمة أخرجت للناس .

والأمة الإسلامية في وقتنا الحاضر أصبحت في مؤخرة الأمم، وتنكبت ركب الحضارة ، وتداعت عليها أسافل الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فأصبحت عثاء كغثاء السيل ، لبعدها عن دينها ، وتركها هدي القرآن العظيم ومنهجه في الحياة ، ولا صلاح لها ولأحوالها إلا بعودتها إلى كتاب ربها ، والعمل به ، والتحاكم إليه ، وجعله دستورا للحياة ، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم(4) .


(1) أخرجه مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن ( 2699 ).

(2) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ( 13 ).

(3) تفسير ابن جرير 9 / 220 .    

(4) انظر : عظمة القرآن الكريم ص 568 ــ 571 بتصرف .        

 

 



بحث عن بحث