القرآن الكريم رفعة لصاحبه في الدنيا والآخرة(2)

 

 

 

توجيهات الحديث للأمة أفرادا وجماعات:

والذي يهدف إليه هذا الحديث أن قارئ القرآن ، العالم بأحكامه ، رفيع القدر ، عظيم المنزلة ، يفوق غيره ، وإن كان أشرف منه نسبا ، أو أعظم جاها ، فهذا مولى من الموالي لا جاه له ، ولا مال ، ولا حسب ، ولا مكانة عليا في المجتمع ، وربما كان في السلم الاجتماعي دون غيره بمقاييس أهل الدنيا ، ولكنه بمقياس القرآن شيء آخر وله مقام آخر .

فقد رفعه القرآن من مقام المولى إلى مقام الولاية ، وعلمه بالقرآن أَهَّلَه لأن يحكم ويقضي بين الناس ، وتكون له الكلمة النافذة ، والرأي المسموع في المجتمع .

وها هو ذا عمر رضي الله عنه يعرف لهذا العالم بالقرآن والحافظ له مكانته وفضله ، فإذا به ــ كما بينا ــ يقر نافعا على اختياره ، ويذكر قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ).

إن اله تعالى شرف هذه الأمة بإنزال القرآن الكريم إليها ، وخصها بذلك دون سائر الأمم ، قال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا )[ سورة فاطر / 32 ]

وبقدر عناية المسلمين بالقرآن الكريم تكون رفعتهم وعلو مكانتهم ، وبقدر إهمالهم له يكون ضياعهم وهلاكهم ، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم السابق ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ).

ماذا كان العرب قبل نزول القرآن إليهم ، وكيف أصبحوا بعد ذلك ، إن البون شاسع والفرق كبير ، كانوا قبائل متحاربة متناحرة لأتفه الأسباب ، من أبرز ملامحهم وصفاتهم : عبادة الأصنام ، وشرب الخمور ، ووأد البنات ، والجهل ، والفقر وسوء الأحوال ، ومما يصور جهلهم وحماقتهم قوله تعالى :( وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً)[ سورة الأنعام / 136 ] ، تعالى الله عن فعلهم الشنيع علوا كبيرا .

ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه موضحا جهل العرب آنذاك :" إذا سرك أن تعلم جهل العرب ، فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ  )(1)[ سورة الأنعام / 140 ]

وذكر الله عز وجل جهل العرب في الجانب الخلقي فقال : (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [ سورة آل عمران / 103 ]

وذكر جهلهم في الجانب العقدي فقال حكاية عنهم :( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ  ) [ سورة ص / 5 ]وغير ذلك من الآيات .

ومما جاء في السنة من أحوالهم المزرية ، ما جاء في حديث أبي رجاء العطاردي رضي الله عنه قال : " كنا في الجاهلية نعبد الحجر ، فإذا وجدنا حجرا أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر ، فإذا لم نجد جمعناه جُثوة من تراب ــ الجُثوة هي القطعة من التراب تجمع فتصير كوما ــ ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به ) (2)


(1) أخرجه البخاري ، كتاب المناقب ، باب قصة زمزم وجهل العرب ( 3524 ) .

(2) اخرجه البخاري ، كتاب المغازي ، باب وفد بني حنيفة ( 4376 ).



بحث عن بحث