الحلقة الرابعة

 

والإيمان بالله تعالى وبكماله وحكمته ورحمته ورعايته للكون وتدبيره للعالم وتكريمه للإنسان يستلزم الإيمان بالنبوة، ذلك لأن الله سبحانه الذي خلق الإنسان وسخر له ما في الكون جميعاً لم يتركه يتخبط على غير هدى، بل اقتضت حكمته ورحمته أن يهديه سبيل الآخرة كما هداه سبيل الحياة الدنيا، وأن يهيئ له الزاد الروحي كما هيأ له الزاد المادي، وأن ينزل الوحي من السماء ليحيى به القلوب والعقول كما أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها

قال تعالى : ] كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ البقرة: 213.والأنبياء عباد مصطفون، اختارهم الله تعالى ليكونوا واسطة وبينه وبين خلقه في تبليغ رسالاته وإقامة حجته على خلقه، وقد ختم الله عز وجل رسالاته بمحمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ] مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا[ الأحزاب: 40.

وجعل رسالته للناس كافة قال تعالى: ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[ سبأ: 28. وألزم الناس جميعاً التصديق بنبوته وإتباعه في أمره ونهيه. قال تعالى : ]قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّيْ رَسُوْلُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيْعًا الَّذِيْ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِيْ وَيُمِيْتُ فَآمِنُوْا بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِيْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوْهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَ[  الأعراف: 158. وقال صلى الله عليه وسلم: (( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار))(2).

وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من علم كله حق يقيني، وهو وحده مصدر المعرفة فيما يتعلق بالله سبحانه، وبمسائل الغيب، وتفاصيل العبادات.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" وأما الأمور الإلهية والمعارف الدينية فهذه العلم فيها مأخذه عن الرسول، فالرسول أعلم الخلق بها، وأرغبهم في تعريف الخلق بها، وأقدرهم على بيانها وتعريفها"(3).

وقال ابن القيم: " الحاجة إلى الرسل ضرورية بل هي فوق كل حاجة، فليس العباد إلى شيء أحوج منهم إلى المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا سعادة ولا فلاح ولا قيام إلا بالرسل، فإذا كان العقل قد أدرك حسن بعض الأفعال وقبحها فمن أين له معرفة تفاصيل شرعه ودينه الذي شرعه لعباده، وأين تفاصيل مواقع محبته ورضاه وسخطه وكراهته، ومن أين له معرفة تفاصيل ثوابه وعقابه وما أعد لأوليائه ومقادير الثواب والعقاب وكيفيتهما، ومن أين له معرفة الغيب الذي لم يظهر الله عليه أحداً من خلقه إلا من ارتضاه من رسله"(4).


 ---------

(2 ) أخرجه مسلم في الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، الرياض، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.             

 (3 ) مجموع الفتاوى، بيروت، دار العربية، جمع عبد الرحمن بن قاسم (13/146).

(4 ) مفتاح دار السعادة، بيروت، دار الكتب العلمية (ص347).



بحث عن بحث