الحلقة الثالثة

المبحث الأول: الأساس الإيماني

المطلب الأول: الإيمان بالله وبالنبوة

الإيمان بالله تعالى وهو اليقين بوجوده، والاعتقاد الجازم بأنه رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا تتحرك ذرة إلى بإذنه، وأن الخلق مقهورون تحت قبضته(1).

وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال، ونعوت الجلال، ومنزه عن كل نقص وعيب، قال تعالى: ] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى: 11.

وهذا الكون الواسع بما فيه من إبداع وانتظام وإحكام دليل على وحدانية الله تعالى، وتفرده بالخلق والإيجاد، قال تعالى: ] إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[ الأعراف: 54. وقال تعالى : ] لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ[ الأنبياء: 22.

وإذا أقر الإنسان بأن الله ربه وخالقه ومصرف شأنه كله، كان لزاماً عليه بمقتضى هذا الإقرار أن يصرف عبوديته لمن خلقه وأنشأه، وأن لا يشرك معه غيره، قال تعالى: ] يَـأَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاْرْضَ فِرَشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الَّثمَر تِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ البقرة: 21-22.

والإيمان بالله تعالى هو الحقيقة الكبرى في هذا الوجود، من أجلها  خلق الله الخلق، وبعث الأنبياء وأنزلت الكتب: ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[ الأنبياء:25.

والإيمان هو أساس الصراع بين الحق والباطل، ومن أجله فتن المؤمنون وأوذي المرسلون: ] الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[  العنكبوت:1-3.        

وقال تعالى: ] وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ   [ إبراهيم:13-14.    والإيمان الحق اعتقاد للمبدأ الحق وثبات عليه دون تردد أو ارتياب ] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ[ الحجرات :15.

والشاب المسلم متى امتلأ قلبه بالإيمان، واتصل بالله تعالى في جميع أحواله، واستشعر عظمة الله تعالى وقدرته، وأيقن أن الأسباب والمسببات بيد الله تعالى، أضفى ذلك على شخصيته قوة وأمناً وطمأنينة، وتكونت لديه إرادة ثابتة، لأن الإيمان بالله تعالى ذخيرة لا تعرف النفاذ في مدها الإنسان بالقوة والصبر والطمأنينة والأمل في معركة الحياة التي يحتدم فيها الصراع بين الخير والشر والحق والباطل.

وحين ينأى الشاب المسلم بنفسه عن هذا النبع الغزير، يعيش في ظمأ دائم، وحين ينصرف عن نوره الوضاء يظل في ظلام دامس، ومن عاش في ظمأ وظلام لايرجى له أن ينعم بحياة هادئة هانئة، أو يقطع العمر في أمن واطمئنان(2).


 


(1 ) انظر: ابن القيم، شمس الدين، مدارج السالكين(1393هـ)، بيروت، دار الكتاب العربي(1/410).

(2 ) انظر: الخطيب – لمحات في الثقافة الإسلامية (ص343).



بحث عن بحث