العلو والنزول في الإسناد(1)

 

 

 رجال الإسناد الموصل إلى المتن يتفاوتون من حديث إلى آخر قلة وكثرة، فبعض الأحاديث تُروى بأسانيد قليلة رجالها وبعضها بأسانيد تطول ويكثر الرواة فيها، فالأول يسمى عند أهل العلم بالعالي والثاني يسمى بالنازل.

والمراد بقلة الرواة هنا بالنسبة إلى أيّ سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه بعد كثير.

دليل استحباب طلب العلو :

ما رواه مسلم – رحمه الله تعالى – من حديث ثابت عن أنس رضي االله عنه قال : نهينا أن نسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم– عن شيء فكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع ... الخ"(1)

قال الحاكم النيسابوري في المعرفة بعد رواية هذا الحديث :"...وفيه دليل على إجازة طلب المرء العلو من الإسناد

على النزول فيه ، وإن كان سماعه عن الثقة، إذ البدوي لما جاءه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره بما فرض الله

عليهم لم يقنعه ذلك حتى رحل بنفسه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم– وسمع منه ما بلغه الرسول عنه . ولو كان طلب العلو

في الإسناد غير مستحب لأنكر عليه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – سؤاله إياه عما أخبره رسوله عنه ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه(2)

قال ابن الصلاح: طلب العلوّ سنّة ولذلك استحبت الرحلة فيه. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: طلب الإسناد العالي سنّة عمن سلف. وقد روينا أن يحيى بن معين قيل له في مرضه الذي مات فيه: ما تشتهي؟ قال: بيت خالي وسنَد عالي(3).

   وقال الحافظ: فإن كان في النزول مزية ليست في العلو كأن يكون رجاله أوثق منه أو أحفظ أو أفقه أو الاتصال فيه أظهر فلا تردد في أن النزول أولى(4).

   ونقل ابن كثير عن بعض المتكلمين أنه كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر، فيكون الأجر على قدر المشقة(5).

مثال على الإسناد العالي من صحيح البخاري :

قال البخاري :حدثنا مكي بن إبراهيم قال :حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال : سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول :"من يقل عني ما لم اقل، فليتبوأ مقعده من النار "(6)

، قال ابن حجر :"وهذا الحديث أول ثلاثي وقع في البخاري ، وليس فيه أعلى من الثلاثيات ، وقد أفردت فبلغت أكثر من عشرين حديثا "(7)

الثلاثيات في كتب الحديث

- أعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، ففي البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً غالبها عن المكي عن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع،

- وليس في مسلم شيء منها، وكذلك أبو داود والنسائي.

-  وأما الترمذي ففيه حديث ثلاثي واحد(8)

- وابن ماجه ففيه عدة أحاديث ثلاثية(9).كلها من طريق جبارة بن المغلس. (10) .

- وفي المسند أكثر من (382) لتقدم مؤلفه، وهي مجموعة شرحها السفاريني في مجلدين كبيرين.

- وعند الدارمي (15) حديثاً(11) .

 

(1) رواه مسلم. الإيمان ، باب السؤال عن أركان الإسلام(102).

(2) معرفة علوم الحديث ص6

(3) علوم الحديث ص 231 .

(4) شرح النخبة ص 123 .

(5) اختصار علوم الحديث ص 136 .

(6) أخرجه في كناب العلم ، باب إثم مكن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم(109).

(7) فتح الباري(1/277) .

(8) هو في جامعه رقم 2260 حديث أنس :  (( يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دنيه كالقابض على الجمر )) . وهو حديث حسن بشواهده .

(9) منها حديث رقم 3260 حديث أنسن : (( من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع )) وهو حديث ضعيف .

(10) وقد تفرد بالرواية عنه ابن ماجه ، وجبارة ضعيف كما في التقريب(898).

(11) ينظر الموازنة بين جامع الترمذي والصحيحين للدكتور نور الدين العتر ص(16).

 



بحث عن بحث