تقوية الحديث الضعيف وضوابطه(1-2)

 

 

من المتقرر لدى أئمة الحديث أن الحديث يتقوى بتعدد طرقه؛ ولذلك كان الأئمة يكتبون أحاديث الراوي للاعتبار بها.

قال الإمام سفيان الثوري - رحمه الله - :"إني لأكتب الحديث على ثلاثة وجوه؛ فمنه ما أتدين به، ومنه ما أعتبر به، ومنه ما أكتبه لأعرفه"(1) .

وقال الإمام أحمد - رحمه الله - :"ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيرا مما أعتبر به ويقوي بعضه بعضا"(2)

وقال أيضا: حديث: «أفطر الحاجم والمحجوم»(3) ، و «لا نكاح إلا بولي»(4) يشد بعضها بعضا، وأنا أذهب إليها".

وقال الإمام الترمذي - رحمه الله - في تعريفه للحديث الحسن: "كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك"(5) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوي بعضها بعضا، حتى قد يحصل العلم بها"(6)

وقال الحافظ ابن حجر :"إن كثرة الطرق إذا اختلفت المخارج تزيد المتن قوة"(7) .

واعتنى أئمة الحديث بمبحث المتابعات والشواهد، وقد عقد له ابن الصلاح بابا سماه :"معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد"، وبين الأئمة في هذا الباب ما يصلح للاعتضاد والتقوية، وما يصلح ولا يقبل.

قال ابن الصلاح:"ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب، أو كون الحديث شاذ(8) .

وقال الحافظ ابن حجر :"ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر، كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز، والمستور والإسناد المرسل، وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه:

صار حديثهم حسنا لا لذاته، بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع والمتابع؛ لأن كل واحد منهم احتمال أن تكون روايته صوابا أو غير صواب على حد سواء، فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم، رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين، ودل ذلك على أن الحديث محفوظ، فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول"(9) .

_______________________

(1) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2 \ 193 )، الكفاية ص ( 402 )  

(2) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2 \ 193 )، شرح علل الترمذي ( 1 \ 138 ) .

(3) سنن الترمذي الصوم (774)، سنن أبي داود الصوم (2371)، سنن ابن ماجه الصيام (1680)، مسند أحمد (5/277)، سنن الدارمي الصوم (1731)..

(4) سنن الترمذي النكاح (1101)، سنن أبي داود النكاح (2085)، سنن ابن ماجه النكاح (1881)، مسند أحمد (4/418)، سنن الدارمي النكاح (2183)..

(5) خاتمة الجامع ( 5 \ 757 ) .

(6) مجموع الفتاوى(18/23)

(7) القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد ( ص : 89 ) .

(8) علوم الحديث لابن الصلاح ( ص : 34 ) .

(9) نزهة النظر ( ص : 105 ) .



بحث عن بحث