الضعيف بسبب الطعن في الرواة(16)

سوء الحفظ(2-3)

 

 

القسم الثاني من أقسام سوء الحفظ:  هو سوء الحفظ الطارئ وهو ما يعرف عند المحدثين  بالاختلاط.

والاختلاط والتغير عند المحدثين: سوء حفظ الراوي لطارئ عليه إما لكبره، أو لذهاب بصره، أو لاحتراق كتبه، أو عدمها إن كان يعتمدها(1) ونحوه.

أما التغير: فهو ما يحصل عند مرض الموت أو المرض الحاد لأكثر الناس، وليس بقادح في الثقة (2).

وقد يطلق أحدهما على الآخر، وقد يطلق الاختلاط ويراد به التغير اليسير.

 أسباب الاختلاط:

للاختلاط أسباب كثيرة منها:

1.   تقدم العمر، ولعله أكثرها شيوعاً فالإنسان إذا تقدم به العمر تضعف ذاكرته وتشيخ، وينسى وتختلط كنير من الأمور في ذهنه، فيحدث بخلاف ما حدث في شبابه، إما في المتون أو الأسانيد.

مثاله: عطاء بن السائب، اختلط في آخر عمره وساء حفظه وأخرج له البخاري مقروناً مع غيره (3).

2.   ذهاب البصر، إذا كان يحدث من كتبه، ولا يحفظها، وحدث بعد العمى من حفظه.

مثاله: عبد الرزاق بن همام، عمي بعد المئتين فكان يُلقن فيتلقن،كما ذكره الإمام أحمد، فمن سمع منه قبل ذهاب بصره أو من كتبه فصحيح، وقد روى له الجماعة(4).

3.   انعدام الكتب، إما بغرق أو حرق أو ضياع أو غيره من الأسباب، وليس بحافظ وحدث بعد ذلك من غير ضبط(5).

مثاله: أبو بكر القطيعي غرقت كتبه، فرمي بالاختلاط(6).

وعبد الله بن لهيعة احترقت كتبه فحدث من حفظه فوهم(7)

 أقسام المختلطين:

قال العلائي: أما الرواة الذين حصل لهم الاختلاط في آخر عمرهم فهم على ثلاثة أقسام:

أحدها: من لم يوجب ذلك له ضعفا أصلا ولم يحط من مرتبته إما لقصر مدة الاختلاط وقلته كسفيان بن عيينة وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم وإما لأنه لم يرو شيئا حال اختلاطه فسلم حديثه من الوهم كجرير بن حازم وعفان بن مسلم ونحوهما.

والثاني: من كان متكلما فيه قبل الاختلاط فلم يحصل من الاختلاط إلا زيادة في ضعفه كابن لهيعة ومحمد بن جابر السحيمي ونحوهما.

والثالث: من كان محتجا به ثم اختلط أو عمر في آخر عمره فحصل الاضطراب فيما روى بعد ذلك فيتوقف الاحتجاج به على التمييز بين ما حدث به قبل الاختلاط عما رواه بعد ذلك(8).

الحكم في الاختلاط :

يقول ابن الصلاح: « والحكم فيهم ـ المختلطين ـ أن يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل أمره فلم يُدْرَ هل أُخِذَ عنهم قبل الاختلاط، أو بعده(9).                              

وقال الحافظ ابن حجر: « والحكم فيه ـ أي في المختلط، أو حديثه ـ أن ما حدث به قبل الاختلاط إذا تميز قُبل، وإذا لم يتميز توقف فيه ـ أي في حديثه بأن لا يُقبل ولا يُردّ ـ وكذا من اشتبه الأمر فيه، وإنما يُعرف ذلك ـ أي ما ذكر من الاختلاط والتمييز والاشتباه ـ باعتبار الآخذين عنه »(10) .                    

وبيّن الحافظ ابن حجر في كلامه هذا الواسطة التي تمكننا من معرفة حديث المختلط قبل الاختلاط، أو بعده، أو حديثه المشكل؛ وهي: الرواة الآخذون عن المختلط مباشرة؛ لنعلم الزمان، والمكان، وكيفية الأخذ والتلقي. وقد كانوا ـ رحمهم الله ـ على قدر كبير من التقوى والصلاح يمنعهم من الكذب، أوالتقوّل .

ومن الأمثلة على هذا: سعيد بن أبي عروبة(11) .                                    

فممن سمع منه قبل الاختلاط: يزيد بن زُرَيع. قال الإمام أحمد: « سماع يزيد بن هارون من سعيد بن أبي عروبة في الصحة إلا ثلاثة أحاديث، أو أربعة»(12).

وقال ابن عدي: « وأثبت الناس سماعاً منه: عبدة بن سليمان »(13) . وقال أبو عبيد الآجري: « سألت أبا داود عن سماع محمد بن بشر من ابن أبي عروبة، فقال: هو أحفظ من كان بالكوفة »(14) .

وممن سمع منه بعد الاختلاط: ابن أبي عَدي. قال يحيى بن سعيد: « جاء ابن أبي عدي إلى سعيد بن  أبي عروبة بآخرة؛ يعني وهو مختلط »(15).

ومنهم: أبو نُعيم الفضل بن دُكين. قال محمد بن يحيى بن كثير: سمعت أبا نعيم يقول: « كتبت عن سعيد بن أبي عروبة حديثين، ثم اختلط، فقمت وتركته »(16) .

كذلك: شعيب بن إسحاق. قال الإمام أحمد: « سمع شعيب من سعيد بن أبي عروبة بآخر رمق »(17) .

كما سمع من سعيد بعد ما اختلط: وكيع، والمعافى بن عمران. قال ابن عمار الموصلي: « ليست روايتهما عنه بشيء، إنما سماعهما بعدما اختلط »(18).

وممن سمع من سعيد في الحالين ـ قبل الاختلاط وبعده ـ وفقد القدرة على التمييز بينهما، فتوقف في قبول الرواية عنه احتياطاً: عبد الوهاب بن عطاء .....

الخفّاف. قال يحيى بن معين: « قلت لعبد الوهاب: سمعتَ من سعيد في الاختلاط ؟

قال: سمعت منه في الاختلاط، وغير الاختلاط، فليس أميّز بين هذا وهذا »(19)

_____________________________

(1) انظر: نزهة النظر لابن حجر: ص129.. .

(2) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: ج10، ص254.

(3) صحيح البخاري: ج4، ص205.

(4) تهذيب الكمال للمزي: ج18، ص25-26.

(5) كأن يحدث من كتب تلميذ من تلاميذه ضابط لما كتب عنه، ونحو ذلك.

(6) قيل لأنه نسخ من كتاب لم يكن سماعه، الكواكب النيرات لابن الكيال: ج1، ص92-97.

(7) شرح علل الترمذي لابن رجب: ج1، ص584.

(8) المختلطين للعلائي: ص3.

(9) علوم الحديث (ص:392) .

(10) شرح شرح النخبة (ص:537 ـ 538) .

(11) سعيد بن أبي عروبة مولاهم أبو النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف، كثير التدليس، واختلط من أثبت الناس في قتادة، من السادسة، مات سنة ست، وقيل سبع وخمسين. ع . تقريب (ص:239).

(12) العلل ومعرفة الرجال (3/302) .

(13) الكامل في الضعفاء (3/394) . 

(14) تذكرة الحفاظ (1/322) .

(15) العلل ومعرفة الرجال (1/353) .

(16) الكامل في الضعفاء (3/393) .

(17) تهذيب الكمال (12/503) .

(18) الكواكب النيرات (ص:37) .

(19) شرح علل الترمذي (2/570).



بحث عن بحث