اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم فى الشريعة الإسلامية كله وحى من عند الله عز وجل (4)

 

يقول فضيلة الأستاذ الدكتور موسى شاهين : "اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم" موضوع قديم، قتله العلماء بحثاً، ولم يترك الأوائل للأواخر بشأنه شيئاً.

 وخلاصته أنهم اختلفوا : فمنهم من لم يجز له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد، واعتبر ما ورد من ذلك صورة اجتهاد، وليس اجتهاداً فى الواقع والحقيقة، لأن الله معه صلى الله عليه وسلم وهو مع الله، ولأنه فى جل أوقاته صلى الله عليه وسلم يناجى من لا نناجى، وإلهامه وحى ورؤيا منامه وحى . ورب العزة يقول : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[ سورة النجم/ 3 ، 4 ].

ويفسرون ما ظاهره الخطأ فىالرأى والرجوع إلى قول الغير بأن ذلك اجتهاد فى الظاهر لتدريب الأمة على البحث والتفكير والاجتهاد فى الأسباب والأخذ بالمشورة، وحقيقته : أن الله يوحى إليه أن قل كذا، وسيقول لك فلان كذا، فقل له كذا، ويشهد لهذا ما روى عن على بن أبى طالب رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن جبريل هبط، فقال له خَيِّرْهُمْ يعنى أصحابكَ فى أُسارَى بَدْرٍ القتل أو الفداء، على أن يُقْتَلَ منهم قَاتِلٌ مِثْلُهم، قالوا الفداءَ، ويقتل منَّا)(1).

 وجمهور المحققين من العلماء على أن النبى صلى الله عليه وسلم؛ يجوز له أن يجتهد، وأنه اجتهد فعلاً(2)وأن اجتهاده فى بعض الأحيان القليلة كان خلاف حكم الله، فجاء الوحى بتصحيح الحكم، والإرشاد إلى ما ينبغى(3)، كما فى قوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[ سورة التحريم / 1،2 ].

وفى مغاز الأموي أن حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ رضي الله عنه لما أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بتغير مكان نزوله يوم بدر ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأيه، نزل ملك من السماء، وجبريل جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذلك الملك : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن الرأى ما أشار به الحُبَابُ بْنُ المُنذِرِ(4).

أو جاء الوحى بإمضاء حكم اجتهاده مع التنبيه بما ينبغى، كما فى قوله تعالى عن أسرى بدر : (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[ سورة الأنفال / 67].


(1) أخرجه الترمذىفى سننه كتاب السير، باب ما جاء فى قتل الأسارى والفداء ( رقم1567) قال الترمذى : هذا حديث حسن غريب من حديث الثورى . وفى الباب عن ابن مسعود وأنس، وأبى برزة، وجبير بن مطعم، انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/326ـ

(2) قال الآمدىفى الإحكام 4/143 وهو المختار .ـ

(3) انظر : الإحكام للآمدى 4/143 - 187، والإحكام لابن حزم 5/125 - 133، والمستصفى للغزالى 2/350 - 354، والإبهاج فى شرح المنهاج 2/246، وأصول السرخسى 1/5،= =والمعتمد 2/210، والمحصول للرازى 2/489، والبحر المحيط للزركشى 6/214 - 219، وانظر : حجية السنة للعلامة الدكتور عبد الغنى ص145-240، والنفحات الشذية فيما يتعلق بالعصمة والسنة للشيخ محمد الحامدى ص103،وأصول الفقه للشيخ محمد الخضرى ص426

(4) انظر : تفسير ابن كثير 2 / 292 .



بحث عن بحث