أحاديث البيوع (10 )

 

تحدثنا فيما سبق عن بعض القواعد والضوابط في المعاملات التجارية والمالية, ومن ذلكم النهي عن التعامل بعض المعاملات المحرمة, وما استعرضناه في الحلقة السابقة, أن يبيع البائع ما ليس في ملكه؛ لقول الرسول الله - صلى الله عليه وسلم- لحكيم بن حزام: (ولا تبع ما ليس عندك)، وكذلك ما يسمى ببيع العينة، وصورتها أن يبيع السلعة بثمن مؤجل لشخص ، ثم يشتريها البائع من المشتري نقداً بثمن أقل, وكذلك البيوع المشتملة على جهالة المبيع، فمعرفة المبيع للمشتري شرط لصحة البيع، فلابد من معرفة السلعة والثمن لكل منهما, وكذلك بيع السلعة المعيبة مع إخفاء العيب، ويدخل في ذلك التدليس، والغش، وكذلك ما يسمى ببيع النجش ، وهو الزيادة في ثمن السلعة من شخص لا يريد شراءها، ويدخل في ذلك الكذب بقيمة الشراء، وقد قال - عليه الصلاة والسلام-: (ولا تناجشوا).

ومن ذلكم – أي من الصور المحرمة بيع المسلم على بيع أخيه، وشراؤه على شرائه، وقد قال - عليه الصلاة والسلام-: (ولا يبيع بعضكم على بيع بعض).

وفي هذه الحلقة نستعرض قاعدة من القواعد المهمة التي لا يجوز للمسلم جهلها، وعدم معرفتها؛ لأن الجهل بها قد يوقع المسلم في التعامل بها، ومن ثم يقع في حرب مع الله – سبحانه وتعالى-, ذلكم أنه يجب ألا يكون البيع مشتملاً على ربا.

وهذا - أعني الربا- من أكبر الكبائر, ومن الموبقات العظيمة, والجرائم المهلكة للفرد والمجتمع, وقد شَدَّدَ الإسلام في تحريمه والتعامل به, فيجمع صوره وأشكاله وأنواعه كبيرة من كبائر الذنوب، وجريمة من الجرائم العظام, وقد أعلن المولى - جل وعلا- الحرب على من يتعامل به, وهذا كافٍ, بل أعظم دليل في بيان تحريمه وعظم خطره قوله - سبحانه وتعالى-: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله...).

ويقول – سبحانه- في بيان تحريم الربا أيضاً: (وأحل الله البيع وحرّم الربا), ويقول - جلا وعلا-: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا).

وروى الإمام مسلم - رحمه الله- عن عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه- أنه قال: (لعن الله رسول - صلى الله عليه وسلم- أكل الربا وموكله), وفي رواية الترمذي، وأبو داود: (لعن الله آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه), وجاء في الصحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال: (اتقوا السبع الموبقات – يعني المهلكات – وذكر منها: الربا).

- تحريم الربا من القطعيات التي لا يجوز الجهل بها من كل مسلم آمن بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً.

والربا يكون في ستة أشياء بينها الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والتمر بالتمر, والشعير بالشعير, والملح بالملح, سواء بسواء، يداً بيد), فكل جنس بيع بجنسه لا بد فيه من أمرين:

الأول: التساوي في المقدار.

الثاني: التقابض في مجلس العقد.

وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم-: (سواء بسواء، يداً بيد).

وهذا يعني أنه إذا اختلف الجنس فلا ربا في التفاضل؛ بل في التأجيل لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (فإذا اختلفتم هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد), فإذا باع البائع صاعاً من البر بصاعين من الشعير – مثلاً- فيجوز إذا كان التقابض في مجلس العقد, وفي ختام هذه الحلقة لعلّي أستعرض بعض صور الربا ومنها:

 1- القرض بفائدة, وذلك كأن يقترض شخص من آخر مائة، ويسددها له بعد مدة مائة وعشرين، سواء كان المقرض شخصاً، أو هيئات، أو غيرها. 

2- تأجيل الدين الحال إلى أجل آخر، نظير زيادة معلومة، مثل أن يحل وقت سداد الدين ولم يستطع المدين أن يسد فينظره الدائن مقابل زيادة نسبة معلومة، فإذا كان يريد منه مائة فيؤجله سنة مقابل أن تكون المائة مائة وعشرين وهكذا.

3- ومن ذلك بيع العملات مع التأجيل, ومن الصور أيضاً, بيع العينة التي تحدثنا عنها سابقاً.

 

 أسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، إنه سميع مجيب، وهو المستعان وإلى اللقاء.

 



بحث عن بحث