أحاديث البيوع (7)

 

 

 

لازلنا نواصل الحديث عن بعض الآداب والضوابط في المعاملات المالية والتجارية، التي ينبغي للمسلم أن يتعامل بها، وأن يحافظ عليها، حتى يكون عابداً لله تعالى، على بصيرة من أمره, ومتمشيًا على منهاج محمد - صلى الله عليه وسلم- في سائر شؤون حياته.

وفي هذه الحلقة نعرض لبعض هذه الآداب والضوابط في الوقفات الآتية:

 

 

الوقفة السادسة عشرة:

 

عرفنا في حلقة سابقة أن المال مال الله - سبحانه وتعالى- قد أنعم به على هذا الإنسان, وجعل فيه حقاً للآخرين؛ لحكم عديدة، وآثار حميدة في الدنيا والآخرة, والمسلم الحق هو الذي يحرص على أداء الحق الواجب والمندوب, ومن أهمها: أداء الزكاة المفروضة، التي جعلها الشارع ركناً من أركان الإسلام, وقرينة في كتاب الله - سبحانه وتعالى-, هذه الزكاة تطهر المال، وتنميه، وتحميه من الآفات, وتبارك فيه, وتزكي النفس على حب الناس، والإحسان إليهم, والعطف على الفقراء والمساكين, وتوجد التكافل، والترابط، والتآخي، والمحبة، والمودة بين المسلمين, حَرِيُّ بالتاجر المسلم أن يستشعر هذه المعاني, وهو يخرج هذه الزكاة؛ مؤمناً بالله - سبحانه وتعالى- راضية نفسه بإخراجها, وحينئذ تؤدي مفعولها في المخرج ، والمال والتصدق عليه.

ولسنا بحاجة إلى استعراض النصوص القرآنية والنبوية في بيان هذا الأمر المعلوم من الدين بالضرورة, وقد ذكرنا بعضاً منها في حلقات سابقة.

ومن حق المال الإحسان بالصدقة المستحبة، والإنفاق في وجوه البر المتعددة, وإهداء الهدايا الطيبة, والإسهام في مشاريع الخير المتنوع, وإكرام الضيف, والإحسان إلى اليتيم، والمسكين، وغيرها, وبهذا جاءت النصوص الشرعية المبشرة لصاحب الإنفاق بما لا يخطر على بال, يكفي أن نذكر منها قوله - سبحانه وتعالى-: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة, وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا), وكذا قوله – سبحانه-: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين), ويقول - جل وعلا-: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم), إلى غير ذلك من النصوص العظيمة التي تبشر المنفق بالخير العظيم، والأجر العميم.

 

 

الوقفة السابعة عشرة:

 

مما يحث عليه الإسلام ويؤكد عليه, اتقاء الشبهات والمتشابهات في المعاملات المالية, وهذا – أعني – اتقاء الشبهات مبدأ عظيم, ومنهج جد سليم, يجعل المسلم يسير في معاملته على طريق بيّنٍ، واضح، لا غموض ولا إشكال فيه, ولا تردد ولا جهل, بيّن المعالم، واضح المسالك, وصنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وخطه لأمته, وعليه فلا يكفي أن يتجنب المسلم طريق الحرام الواضح, بل يتقي ما أدى إلى الحرام, أو كان فيه شبهة, جاء في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه, ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح العمل كله، وإذا فسدت فسد العمل كله، ألا وهي القلب), وبناءً عليه فينبغي للمسلم أن يتجنب كل طريق محرم, أو ما يوصل إلى محرم, أو فيه شبهة محرمة, فإذا تعامل المسلم بذلك نزع الله تعالى من قلبه الجشع، والطمع، والبخل، والتقتير في الإنفاق, وتمكّن المال من القلب.

 

الوقفة الثامنة عشرة:

 

من الآداب المهمة التي ينبغي أن يطبقها التاجر المسلم الإحسان ما استطاع إليه سبيلا, ومما ينص عليه هنا من سبل الإحسان إقراض المحتاج, وإنظار المدين المعسر, وكلاهما أمران مندوبان, فيهما فضل عظيم، وثواب جزيل، ومنافع لا تحصى, ففيهما تفريج كربة, وإغاثة ملهوف, وسد حاجة, وإفراح مسلم, كما أن فيهما تعاوناً بين المسلمين, وتكاتفاً بينهم، وتعزيزاً لروابطهم, وتأليفاً لقلوبهم, وزيادةً للمحبة بينهم, جاء في بعض الآثار أن القرض أفضل من الصدقة؛ لأن من يأخذ صدقة قد لا يكون محتاجاً إليها الحاجة الشديدة, أما المستقرض فإنه لا يقترض إلا لحاجة ماسة، دفعته إلى القرض في الغالب.

وجاء في إنظار المعسر قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة), وجاء في الحديث: (خيركم أحسنكم قضاءً), وهذا حال السلف - رضي الله عنهم- في التعامل مع المعسرين, إنظار لهم، وعدم التشديد عليهم، أو إزعاجهم بالإلحاح المستمر عليهم في السداد, فلـنقتدِ بهؤلاء السلف الصالح - رضي الله عنهم-, لعل الله - سبحانه وتعالى- أن يجعلنا في ركبهم سائرين, وعلى منهاجهم مقتفين, وعلى خطاهم متبعين.

 

إنه سميع مجيب وهو المستعان وإلى اللقاء.

 

  

 



بحث عن بحث