أحاديث البيوع (4)

 

 

الوقفة السابعة:  مما فرض الإسلام على البائع ألاّ يكتم عيباً , ولا يخفي نقصاً, بل عليه أن يبين العيب، ويظهر السلعة على حقيقتها، عملاً بالحديث الصحيح:(فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما , وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما), وإظهار عيوب السلعة يجعل المشتري والمتعامل يثق بأي سلعة أخرى ليشتريها من هذا البائع, ويزيد في التعامل معه, وتحصل بركة البيع.

 

الوقفة الثامنة: مما ينبغي أن يفقهه البائع والمشتري عدم الغش في البيع والشراء, والغش في التعامل بإظهار صورة المبيع على غير حقيقته، وكان هذا تعامل يسود بعض الباعة في الجاهلية, فجاء الإسلام محذراً من هذا الغش بخصوصيته, ومتوعداً من فعله بالوعيد الشديد, وروى مسلم - رحمه الله- من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مرَّ في السوق على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً فقال:(ما هذا يا صاحب الطعام)؟ قال يا رسول الله أصابته السماء, قال: (أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس), ثم قال: (من غشنا فليس منا), وفي رواية أبي داود: (ليس منا من غش), وروى الإمام أحمد، وابن ماجه بسند حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه غش إلا بينه له), وأخرجه البخاري معلقاً.

 

الوقفة التاسعة: قد تتفاعل عملية البيع والشراء، والأخذ والعطاء، على تحسين السلعة أمام المشتري، فيتطاول بعضهم بالأيمان المغلظة ليصف هذه السلعة, وربما تكون هذه الأيمان كاذبة, ومن هنا نهى الشارع الحكيم عن كثرة الحلف, ناهيك  ما إذا كان الحلف كذباً وبهتاناً, روى مسلم وغيره عن أبي قتادة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق)، وروى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب)، وفي رواية: (ممحقة للبركة)        

    وروى البخاري وغيره من حديث حكيم بن حزام مرفوعاً: (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما, وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحاً , ويمحقا بركة بيعهما).

    وقد توعد الله - سبحانه وتعالى- من ينفق سلعته بالأيمان الكاذبة, ويشتري بها قليلاً من الدنيا بالعذاب الأليم, قال - صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة)، وذكر منهم (رجل ينفق سلعته بيمينه كاذباً بعد العصر)، وجاء برواية أخرى لهذا الحديث.

الوقفة العاشرة: من ضوابط التعامل التجاري في الإسلام عدم الاحتكار, والاحتكار هو: أن يخزن التاجر السلعة المحتاج إليها حتى يرتفع سعرها، وهو حرام في شرع الله - عز وجل- لما يسببه من ظلم الناس والخطأ عليهم, وروى مسلم - رحمه الله- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يحتكر إلا خاطئ).

    وذكر أهل العلم أن الاحتكار بجميع صوره محرم، سواء كان الاحتكار من فرد متصف بالجشع والطمع، أو مجموعة تجار تعارفوا على ذلك، أو غيرهم.

الوقفة الحادية عشرة: مما أمر به الإسلام، وحث عليه، وشدد في مخالفته إيفاء الكيل والوزن, وذلك بأن يُعطى المشتري كامل حقه مكيلاً أو موزوناً, ومن نقص عن ذلك فقد طَفَّفَ, ومن اتصف بهذه الصفة فلا شك أن ذلك ينبئ عن جشع، وطمع، وضعف يقين بالله - سبحانه وتعالى-, وما أعده من جزاء وحساب, ولذا فقد توعد الله المطففين بالويل، والهلاك، والخسارة, يقول - سبحانه وتعالى-: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون* وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون*ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون* ليوم عظيم*يوم يقوم الناس لرب العالمين ), بل إن هذا الذنب العظيم أهلك الله فيه أمة من الناس.

قال - سبحانه وتعالى-: (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط *ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين)سورة هود 84-85 ولاشك أخي أن المؤمن بالله حقاً, والمتمسك بشريعته صدقاً لا يمكن أن يفكر ببخس الناس حقوقهم, أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه، واتباع سنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم- .. إنه سميع مجيب.

 



بحث عن بحث