فضل السحور، وحكم الجنب في رمضان

 

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (تسحروا فإن في السحور بركة)(1).

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه- قال: (تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية)(2).

وعن عائشة، وأم سلمة - رضي الله عنهما-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم(3).

هذه أحاديث تتعلق بشيء من أحكام الصيام نعرضها في الفوائد الآتية:

الوقفة الأولى: قال في حديث أنس: (فإن في السحور بركة) السحور بفتح السين ما يتسحر به، وبضمها أكل السحور، والبركة مضافة إليهما جميعاً.

الوقفة الثانية: دلّ حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه- على الترغيب في أكل السحور، وسمي الأكل في ذلك الوقت السحور إضافة إلى وقته؛ لأنه يؤكل وقت السحر. ومما ورد في الترغيب فيه ما رواه مسلم وغيره عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)(4)، وروى الإمام أحمد وغيره عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (السحور كله بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين)(5).

الوقفة الثالثة: ذكر أهل العلم أن من بركة السحور ما يحصل به التَّقَوِّّي على طاعة الله تعالى في النهار، فإن الجوع والظمأ يفتر الجسم، ومن ثَمَّ يفتر ويتكاسل عن الطاعة. ومن بركته أيضاً الثواب والأجر؛ لامتثال أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم-، ومن بركته أيضاً أن المتسحر يستيقظ في هذا الوقت الفاضل، فيصحب هذا السحور حمد، وشكر، وذكر لله تعالى، ودعاء، واستغفار، وهو وقت فاضل، ينزل فيه الرب - سبحانه وتعالى- إلى السماء الدنيا، نزولاً يليق بجلاله وعظمته؛ لينادي عباده هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ هل من مستغيث لأغيثه؟ فالقائم للسحور يتعرض لهذه النفحة الكريمة، فلعلها تسبب له مغفرة لذنوبه، وتكفيراً لسيئاته، ورفعة لدرجاته، وتقبلا لطاعته.

الوقفة الرابعة: دل حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه- على استحباب تأخير السحور إلى قبيل الفجر، فقد قال أنس لزيد بن ثابت - رضي الله عنهما- كم كان بين الأذان والسحور قال: قدر خمسين آية.

ومما يدل على أفضلية تأخير السحور ما رواه الشيخان - رحمهما الله- أن رسول الله -      صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور)(6)، والحكمة من ذلك – والله أعلم – أنه يراد به التَّقَوِّي على طاعة الله تعالى، فكلما تأخر كان عوناً على ذلك.

ومن هذا يفهم أن ما يعمله بعض الناس من الأكل في وسط الليل، وإذا قرب الفجر ناموا، أنهم بهذا أخطأوا على أنفسهم، وفوتوا عليها أجراً عظيماً، بل ربما تعرضوا للإثم والوزر؛ ذلك أنهم يتعرضون للنوم، وقد لا يستطيعون الاستيقاظ لصلاة الفجر، فهم بهذا جمعوا بين مخالفتين عظيمتين، مخالفة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في عدم تأخير السحور، والمخالفة الكبرى في تفويتهم لصلاة الفجر.

الوقفة الخامسة:  دل حديث عائشة، وأم سلمة - رضي الله عنهما- على حكم من الأحكام يتعرض له بعض الناس، وهو أن المسلم قد ينام وهو على جنابة بجماع، أو يحصل لهم احتلام أثناء النوم، فيستيقظ جنباً، فيبادر إلى السحور، ثم يطلع عليه الفجر وهو لا زال على جنابة، فعائشة، وأم سلمة تخبرانا أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، فدلّ ذلك على صحة صوم من أصبح جنباً من جماع أو احتلام، ولو لم يغتسل، إلا بعد طلوع الفجر........بالذكر، والقراءة، والدعاء، كان أولى...

الوقفة السادسة: دلّ هذا الحديث أيضاً أنه لا فرق بين الصوم الواجب والنفل، ولا بين صيام رمضان من غيره، فالحكم في ذلك واحد.

الوقفة السابعة: استنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث أيضاً جواز الجماع في ليالي رمضان، ولو كان قبيل الفجر، ويؤيد هذا قوله سبحانه وتعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)(7).


 


(1)      رواه البخاري 4/139 برقم (1923) كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب. ورواه مسلم 2/770 برقم (1095) كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد  استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر. ورواه الترمذي 3/88 برقم (708) كتاب الصوم، باب ما جاء في فضل السحور.

(2)      رواه البخاري 4/138 برقم (1921) كتاب الصوم، باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر، ورواه مسلم 2/771 برقم (1097) كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر.

(3)      رواه البخاري 4/143 برقم (1925 – 1926) كتاب الصيام باب الصائم يصبح جنباً. ورواه مسلم 2/780 برقم (1109) كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر.

(4)      رواه مسلم 2/770 برقم (1096) كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، ورواه النسائي 4/146 برقم (2166) كتاب الصيام باب فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب. ورواه الإمام أحمد في مسنده 4/197.

(5)      رواه الإمام أحمد 3/44.

(6)      رواه البخاري 4/198 برقم (1957) كتاب الصوم، باب تعجيل الإفطار. ورواه مسلم 2/771 برقم (1098) كتاب الصيام باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه.

(7)      سورة البقرة الآية رقم (187).

 



بحث عن بحث