الحلقة (50): فهم النص النبوي وفق الدلالة الشرعية ثم اللغوية ثم العرفية (2-2)

 

إذا أعرض المرء عن هذا المنهج في فهم النصوص الشرعية ـ قرآنًا وسنة ـ فإنه يصير إلى أحد ثلاث طرق:

الطريق الأولى: أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فيعدل عن الطريق التي فيها العلوم اليقينية، والأمور الإيمانية، ويبنى كلامه في التنزيل على الرأي المجرد، والعقل، والأهواء دون اعتبار للنصوص، وأقوال الصحابة والتابعين، وهذا الفعل متوعد عليه بالنار.

فعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار»(1) .

الطريق الثانية: أن يأخذ بظواهر النصوص من غير تدبر، ولا نظر في مقاصدها ومعاقدها، فيبادر إلى تفسيرها بمجرد ظاهر اللغة، وفهم العربية، وبهذا يكثر الغلط في فهم النصوص الشرعية.

الطريق الثالثة: الأخذ بحرفية النص دون النظر إلى معانيه والمقصود منه النظر إلى سنة الشارع في الخطاب، وذلك بجمع النصوص والرجوع إليها في فهم المراد. مثال ذلك: قول النبي ﷺ: «سباب المسلم فسق وقتاله كفر»(2) ، فإن الأخذ بحرفية قوله «كفر» تدل على أن المسلم المقاتل لأخيه المسلم يكفر، ولكن المراد ليس ذلك بل المراد الكفر غير المخرج من الملة، بدليل قول الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}(3) . قال الإمام البخاري: «فسماهم مؤمنين».

قال ابن حجر: (استدل المؤلف : على أن المؤمن إذا ارتكب معصية لا يكفر بأن الله تعالى أبقى عليه اسم المؤمن، فقال: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} قال:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}(3) كما استدل أيضًا بقوله ﷺ: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما»(4) ، فسماهما مسلمين مع التوعد بالنار، فيكون المراد بقوله «كفر» ليس الكفر المخرج من الملة بل الكفر الأصغر غير المخرج من الملة، وقد أطلق على هذا الفعل اسم الكفر مبالغة في التحذير.

هذا: ومما لا شك فيه أن لمعرفة الدلالات اللغوية والشرعية مظانها المعلومة ككتب اللغة بعامة، وغريب الحديث بخاصة، وكذا الشروح الحديثية، والموسوعات وغيرها.

وبناء على ما سبق، فإنه من الخطأ الاستقلال بالفهم بناء على قدرة الإنسان الاستنباطية، وقوة ملكته دون الرجوع إلى المصادر والمظان اللغوية والشرعية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (سنن الترمذي[2950]).

(2) (صحيح البخاري[6044])

(3) [الحجرات:10]

(4) (صحيح البخاري[6875])



بحث عن بحث