النبوة نعمة ورحمة 

الحمد لله رب العالمين نحمدك اللهم على نعمة الإيمان بك وشرف الإسلام لك، ونسألك يا ربنا أن تجعل لنا من أنوارك نوراً يسرينا الخير والشر بصورتيهما، ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتيهما، حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، ومن الموصوفين بقولك : (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [المجادلة /22].

وأصلي وأسلم وأبارك على خير خلق الله ورحمته المهداة سيدنا محمد أكمل الخلق روحاً وعقلا، وأقومهم بدنا ورسما، وأعلاهم قدراً وذكراً، وأرفعهم فضلا ونبلا، وأشرفهم مجدا وعزا، وأحسنهم خُلقا وخَلقا، وأصدقهم قولاً وفعلا، وأصفاهم طوية وقلبا، وأطهرهم نية وقصدا، وأهداهم طريقا وهديا، وأرشدهم سلوكا ومنهجا، وأسدهم مسلكا ورأيا، وأنبلهم غاية ومقصدا، وأكرمهم أصلا ومحتدا، وأعزهم بيتا ومنبعا، وأعرقهم أرومة وجمعا .

أدبه ربه فأحسن تأديبه، ورباه فأكمل تربيته، وجعله خاتما للنبيين والمرسلين، وحجة على جميع العالمين : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال /42] .

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين . وبعد،

فإن الأنبياء هم مجدفوا سفينة البشرية، وهم الذين قادوها إلى ساحل النجاة عبر التاريخ البشري، ومهما تنكر أحد لهذه السفينة، واستغنى عنها، وتفاداها إلى (جبل) فإن مصيره المحتوم هو مصير ابن نوح الشارد المارد العاتي الطاغي الذي         قال : (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ) فقال له : (لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ) [هود/ 43] .

إن الأنبياء والرسل هم صفوة الخلق واجتباء الخالق : (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ)  [الحج/ 75]. (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) [القصص/ 68] . وقد اختارهم الله لحمل رسالاته وإبلاغها للناس، ودعوة الخلق إلى عبادة الخالق وتوحيده، ووعد من أطاع بالثواب، وإيعاد من عصى بالعقاب ( لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء /165] .

وقد تفرد الأنبياء بكمال علمهم  بالله - تعالى -  وبصفاته وأحكامه ومرضاته، وبخواص العقائد والأعمال والأخلاق صححيها وسقيمها، وصالحها وفاسدها، وما تجر وتستتبع من سعادة وشقاء في الدنيا، وثواب وعقاب وجنة ونار في الآخرة، وخصهم الله – بقدر ما يريد – بعلم ما يكون بعد هذه الحياة، وفي ذلك العالم من حشر، ونشر، وإنعام، وعذاب، ونعيم، وجحيم .

(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) [الجن /26-27].

لقد وقفوا عليهم - الصلاة السلام - على جبل النبوة يشرفون منها – بقدر ما يريد الله – على عالم الغيب والشهادة، ويخبرون بما يهجم على هذه البشرية، وعلى هذه المدنية في المستقبل القريب والبعيد، وما يكمن لها من خطر وضرر في حياتها، ثم ينذرون قومهم شفقة وإشفاقا، وحبا وإخلاصا، فإذا نازع منازع هذا الحق الطبيعي العقلي، وهذه البداهة، وشك أو شكك في مركزهم، قالوا في صيحة وإخلاص، وتألم وإشفاق (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) [سبأ /46] .

 



بحث عن بحث