الخاتمة

                              

مما تقدم يظهر جليًا لدى الناظر عظيم الجهد الذي قام به المحدثون أساطين هذا الفن من العناية بالأسانيد، واتضح للقارئ هذا المنهج الفائق في نقد الأسانيد وكيف أنهم ساروا وفق أسس مرعية وقواعد منهجية في كل ذلك.

وهنا نذكر خلاصة هذا المنهج وملخص لهذه القواعد السابقة:

1- غاية علم الجرح والتعديل وهدفه، هو: الحفاظ على الشريعة مع التحريف والتزييف ومعرفة المقبول منها والمردود حتى تبنى الأحكام الشرعية عليها.

2- يعرف الجرح والتعديل إما بنص أحد علماء الجرح والتعديل على عدالة ذلك الراوي أو جرحه، أو بالاستفاضة والشهرة، فمن اشتهر بعدالته وضبطه استغنى بذلك عن البيّنة، والطريقة الثانية (الاستفاضة والشهرة) تكون غالبًا في التعديل والتوثيق.

3- المتصدي لهذه القضية الهامّة، وهي: الجرح والتعديل يشترط فيه أن يكون عالـمًا تقيًّا متحريًا، عالـمًا بأسباب الجرح والتعديل عارفًا باصطلاح علماء الجرح والتعديل ذكرًا كان أو أنثى حرًّا أو عبدًا، ويكفي على الصحيح واحدٌ في ذلك، كما على المتصدي لهذا الفن أو العلم ألا يجرح فوق الحاجة أو من لا يحتاج بجرحه ممن لا يحتاج لروايته.

4- اعتنى العلماء بألفاظ الجرح والتعديل وبالغوا في التدقيق فيها، فجعلوا ألفاظ التوثيق على ست مراتب من الأعلى للأدنى وهم على درجات في حكم قبول حديثهم، فالثلاثة الأولى أحاديثهم صحيحة، ثم الرابعة في عداد الحسن لذاته، والخامسة في عداد الحسن لغيره، والسادسة يكتب حديثهم للاعتبار دون الاختبار.

أما ألفاظ الجرح فهي على مراتب ستٍّ أيضًا من الأعلى للأدنى وكلها في حكم المردود وهي دركات تتراوح بين الضعف، والضعف الشديد، والموضوع.

5- مواطن الجرح هي في العدالة أو الضبط، فالجرح في العدالة كوصف الراوي بالكذب أو الفسوق أو الجهالة أو خوارق المروءة، أو جهة الضبط ككثرة السهو أو الشذوذ أو قبول التلقين ونحو ذلك.

6- بالاستقراء وجد أن الضوابط العامة للحكم على الرواة لا تخرج عن أربعة عشر ضابطًا، هي: الكذب، التهمة به، والخطأ، والخطأ الكثير، والتحديث بالمناكير، والتغيير في المتن، أو الزيادة المنكرة في التصحيف والتحريف، والاضطراب والتخليط، وقلب الأسانيد والمتون، المتابعة والمخالفة، والتدليس، والتلقين، والتحديث عن الضعفاء والمجهولين، ورواية الموضوعات، وسرقة الحديث، والاختلاط.

7- عند التعارض بين الجرح والتعديل فيجمع بين كلام الجارح والمعدل، فإن تعذر فإنه يقدم الجرح بشرطين أن يكون مفسَّرًا، وألا يكون الجارح متعصبًا.

8- لا يلزم من صحة المتن صحة السند فقد يكون السند سليمًا في الظاهر والمتن ضعيف كأن يكون شاذًا أو منكرًا أو فيه علّة قادحة. بمعنى أنه لا ينبغي الاغترار بظواهر الأسانيد دون فحص جميع الطرق والموازنة بينها.

9- يتأثر الإسناد بالاتصال والانقطاع ومن ذلك الإرسال والتعليق والإعضال والتدليس والإرسال الخفي والمعنعن.

10- الحكم على الحديث فرض كفاية لمن تحققت فيه شروط العدالة والضبط والاهتمام بهذا الشأن سواءً كان ذلك من المتقدمين أو المتأخرين ويستحسن في حق الباحث أن يقول صحيح الإسناد أو حسن الإسناد أو ضعيف الإسناد ولا يتعجل بالحكم على الحديث.

11- دراسة الإسناد تكون بمعرفة تراجم الرواة من حيث معرفة سنة الولادة والوفاة وذكر الشيوخ والتلاميذ والبلدان، وأقوال الأئمة في جرحهم وتعديلهم، ومعرفة تدليسهم، وإثبات سماعهم من شيوخهم، والموازنة والترجيح عند تعارض الجرح والتعديل، واعتبار مناهج الأئمة في كل ذلك.

12- كتب الرجال هي سجل تفصيلي لكل راو من الرواة تحدد مكان بين أعلى مراتب التوثيق وأدنى مراتب الجرح وهذه سابقة في تاريخ البشرية أن يوضع هذا السجل وفق قواعد لم تعرفها أمّة من قبل وبحق هي مفخرة لهذه الأمة.

وقد تنوعت مناهج هذه المصنفات إما تراجم شيوخ كتب معينة، أو عدة كتب وقد يكون ترتيبها على الطبقات أو حروف المعجم كما تقدم بيانه.

13- التشكيك في الإسناد وإضعاف الثقة به، هو إضعاف للسنة والتي هي مصادر التشريع، وهذا ما دعا المستشرقون ومن تأثر بهم من أبناء الإسلام في إيراد هذه الشبهات إما عداوة للدين أو جهلًا بخطورة هذا المسلك الفاسد.

نسأل الله تعالى أن تكون هذه الحلقات من العلم النافع المدخر، إنه ولي ذلك  والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



بحث عن بحث