المبحث الثالث: ظاهرة الخسوف والكسوف.

 

  حديث المغيرة بن شعبة، أنه قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف»(*).

  قد ورد موضع الاستدلال من هذا الحديث، عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، إضافة إلى المغيرة، منهم: عائشة، وابن عباس، وأبي مسعود الأنصاري، وابن عمر، وأبي موسى، وأبي بكرة، وجابر بن عبدالله.

  1– أما حديث المغيرة بن شعبة، فأخرجه البخاري(1)، ومسلم(2)، والطيالسي(3)، وأحمد(4)، وابن حبان(5)، والطبراني(6)، كلهم من طرق عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة.

  2– وأما حديث عائشة ، فأخرجه البخاري(7)، ومسلم(8)، وأبو داود(9)، والنسائي(10)، وابن ماجة(11)، وإسحاق بن راهوية(12)، وأحمد(13)، وابن خزيمة(14)، وابن حبان(15)، والطبراني(16)، كلهم من طرق عن الزهري.

  وأخرجه البخاري(17)، ومسلم(18)، وأبو داود(19)، والنسائي(20)، ومالك(21)، وأحمد(22)، وابن خزيمة(23)، وابن حبان(24)، كلهم من طرق عن هشام.

كلاهما عن عروة عنها.

  وأخرجه مسلم(25)، وأبو داود(26)، والنسائي(27)، وإسحاق بن راهوية(28)، وابن خزيمة(29)،كلهم من طريق بن جريج قال: سمعت عطاء يقول: سمعت(30)عبيد بن عمير يقول: حدثني من أصدق (حسبته يريد عائشة).

  ورواه مسلم(31) من طريق معاذ بن هشام الدستوائي، عن أبيه، عن قتادة، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبيد، عن عائشة، بدون إبهام.

  3– وأما حديث ابن عباس، فأخرجه البخاري(32)، ومسلم(33)، والنسائي(34)، والشافعي(35)، وأحمد(36)، والدارمي(37)، وابن خزيمة(38)، وابن حبان(39)، كلهم من طريق مالك – وهو في الموطأ –(40) عن زيد ابن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبدالله بن عباس.

وأخرجه مسلم(41) من طريق حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، به.

  4– وأما حديث أبي مسعود الأنصاري، فأخرجه البخاري(42)، ومسلم(43)، والنسائي(44)، والحميدي(45)، وابن ماجة(45)، والشافعي(47)، وأحمد(48)، والدارمي(49)، والطحاوي(50)، وابن خزيمة(51)، والطبراني(52)، كلهم من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن ابن مسعود، بالشاهد منه، دون صفة الصلاة.

  5– وأما حديث ابن عمر، فأخرجه البخاري(53)، ومسلم(54)، والنسائي(55)، وأحمد(56)، وابن حبان(57)، كلهم من طرق عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن ابن عمر.

  وأخرجه ابن خزيمة(58)، والحاكم(59)، كلاهما من طريق مسلم بن خالد، عن إسماعيل بن أبي أمية، عن نافع، عن ابن عمر.

وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.

  وفيه مسلم بن خالد، قال فيه الحافظ: (صدوق كثير الأوهام) (60). إلا أنه قد تابعه داود بن عبدالرحمن العطار، عن إسماعيل، به، عند الطبراني(61)، وداود ثقة.

  6– وأما حديث أبي موسى، فأخرجه البخاري(62)، ومسلم(63)، والنسائي(64)، والطحاوي(65)، وابن خزيمة(66)، وابن حبان(67)، كلهم من طرق عن أبي أسامة، عن بريد بن عبدالله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: خسفت الشمس زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة، ثم قال: «إن هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته...».

  7– وأما حديث أبي بكرة، فأخرجه البخاري(68)، والنسائي(69)، وأحمد(70)، وابن خزيمة(71)، وابن حبان(72)، كلهم من طرق عن يونس بن عبيد بن دينار، عن الحسن، عن أبي بكرة.

  8– وأما حديث جابر بن عبدالله، فأخرجه مسلم(73)، وأبو داود(74)، والنسائي(75)، والطيالسي(76)، وأحمد(77)، وابن خزيمة(78)، كلهم من طريق هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر، ولفظ الشاهد منه: «وإنهم كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا ينخسفان إلا لموت عظيم! وإنهما آيتان من آيات الله...».

  وأخرجه مسلم(79)، وأبو داود(80)، وأحمد(81)، والطحاوي(82)، وابن خزيمة(83)، ابن حبان(84)، والطبراني(85)، كلهم من طريق عبدالملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر.

 

الاستدلال :

  استدل بهذا الحديث الدكتور عبدالعليم عبدالرحمن خضر، في كتابه (المنهج الإيماني للدراسات الكونية) (86)، على أنه يلتقي مع التفسيرات العلمية لظاهرة الخسوف، وأنه يرفض كل تصور يخالف ذلك التصور العلمي، فقال: "ولظاهرة الخسوف تفسيرات علمية، تلتقي مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي حارب الخرافات، وقضى على كل التفسيرات التي غلفتها الأساطير قبل نزول القرآن.

والذي يحدث علمياً: أن القمر حين يكون بدراً – ويعزز ذلك وجوده على دائرة البرج تماماً – فإن الأرض تحجب الشمس عنه، لأنها تلقي ظلالاً وراءها بسبب تسلط أشعة الشمس عليها، ويبلغ عرض منطقة الظل التي يوجد القمر بها خمسة آلاف وسبع مئة ميل، في حين قطر القمر يبلغ ألفين ومئة وستين ميلاً فقط، ولذلك يقطع القمر منطقة الظل هذه، في ثلاثين ساعة وأربعين دقيقة.

  ويحدث الخسوف مرتين في السنة، أو مرة على الأقل، تتكرر كل مئتين وثلاثة وعشرين شهراً قمرياً، أي كل ثمان عشرة سنة وأحد عشر يوماً وثلث، وتسمى هذه الدورة في الفلك: ساروس (SAROS)، أما الخسوف الكلي فلا يحدث للقمر إلا إذا دخل القمر كله شيئاً فشيئاً في ظل الأرض المنحني، وعندئذ يحتجب كل ضوء الشمس عنه، فيبدو شبه معتم، إذ أن القمر أثناء الخسوف يكون كالمخنوق، فينعكس منه ضوء نحاسي أحمر باهت، وسبب هذه الحمرة أن ضوء الشمس حين يمر بغلاف الأرض، تنكسر أشعته خلاله، ويحول التراب الجوي للأرض دون مرور اللون الأزرق، كما لا يسمح إلا للون الأحمر بالمرور، ومن هنا اكتسب القمر اللون الأحمر الباهت عند الخسوف، كما تكتسب الشمس نفس هذا اللون، ولكن بدرجة فاقعة عند الأصيل والغروب، وقد يكون اللون معتماً أو أحمر قانياً، فهذا يتوقف على الأحوال الجوية السائدة في الغلاف الغازي المحيط بالأرض حينذاك، على سكون العواصف أو نشاطها وإثارتها للأتربة...".

  ثم قال: "وقد رفض الدين الإسلامي كل تصور يخالف ذلك التصور العلمي، وقد رأينا كيف رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تصور يصدر عن الخرافات بشأن الخسوف والكسوف، وهذا خير دليل على أن الإسلام يدعوا إلى النظرة العلمية، ونبذ الخزعبلات والخرافة". اهـ.

  واستدل به أيضاً شوقي أبو خليل، في كتابه (الإنسان بين العلم والدين) (87) وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع حداً لسخافات واعتقادات المنجمين، ولاعتقادات العامة في أسباب الكسوف وغيرها، لكن لم يذكر تفصيلات الخسوف في الموضع الذي ذكر فيه الحديث؛ لأنه قد ذكرها قبل(88)، وانظر الشكل التالي؛ حيث أنه يوضح بإيجاز عملية الكسوف للشمس وللقمر.

 

 

 

  

 


(*) المنهج الإيماني للدراسات الكونية (ص181).

(1) صحيح البخاري – كتاب الكسوف – باب الصلاة في كسوف الشمس – (2/526ح 1043) وفي باب  الدعاء في الخسوف (2/546ح1060) وفي تاب الأدب – باب من سمى بأسماء الأنبياء (10/578ح   6199).

(2) صحيح مسلم – كتاب الكسوف – باب ذكر النداء بصلاة الكسوف "الصلاة جامعة" (2/640ح915).

(3) مسند الطيالسي ص (95ح694).

(4) المسند (4/249، 253).

(5) الإحسان (4/211ح2816).

(6) الدعاء (3/1796، 1797ح 2213).

(7) صحيح البخاري – كتاب الكسوف – باب خطبة الإمام في الكسوف (2/533ح1046)، وباب هل  يقول كسفت الشمس أو خسفت (2/535ح1047)، وفي باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته (2/545ح1058) وفي كتاب العمل في الصلاة – باب إذا انفلتت الدابة 3/81ح1212)، وفي كتاب بدء الخلق – باب صفة الشمس والقمر (6/297ح3203).

(8) صحيح مسلم – كتاب الكسوف – باب صلاة الكسوف (2/619، 620ح901/3، 4، 5).

(9) سنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب من قال أربع ركعات (1/697، 698ح1180).

(10)سنن النسائي – كتاب صلاة الكسوف – باب (12) نوع آخر منه عن عائشة (3/130 – 132ح  1472، 1473)، وباب التشهد والتسليم في لاة الكسوف (3/150ح1497).

(10)سنن ابن ماجه – كتاب إقامة الصلاة – باب ما جاء في صلاة الكسوف (1/401ح1263).

(11) مسند إسحاق بن راهوية (2/149ح640).

(12) المسند (6/76، 87، 168).

(13) صحيح ابن خزيمة (2/314، 315، 319، 320، 328ح 1379، 1387، 1398).

(14)  الإحسان (4/217، 218ح 2831).

(15) الدعاء (3/1799ح 2218).

(16) صحيح البخاري – باب الصدقة في الكسوف (2/529ح1044) وفي باب لا تنكسف الشمس لموت  أحد ولا لحياته (2/545ح1058).

(17) صحيح مسلم (2/618، 619ح 901/1، 2).

 (18) سنن أبي داود – باب الصدقة فيها – (1/703ح1191).

(19) سنن النسائي (3/132، 133، 252ح 1474، 1500).

(20) الموطأ (1/186).

(21) المسند (6/164).

(22) صحيح ابن خزيمة (2/324، 325ح1395).

(23) الإحسان (4/219، 220ح 2834، 2835).

(24) صحيح مسلم (2/620، 621ح901/6).

(25) سنن أبي داود – باب صلاة الكسوف – (1/695، 696ح1177).

(26) سنن النسائي – باب 10 نوع آخر من صلاة الكسوف (3/129، 130ح1470).

(27) مسند إسحاق بن راهوية (3/609ح1181).

(28) صحيح ابن خزيمة (2/316، 317ح1383).

(29) هذا التصريح بالسماع عند مسلم.

(30) صحيح مسلم (2/621ح901/7).

(31) صحيح البخاري – باب الكسوف جماعة (2/540ح1052) وفي كتاب بدء الخلق – باب صفة  الشمس والقمر (6/297ح3202)  وفي كتاب النكاح – باب كفران العشير (9/298ح5197).

(32) صحيح مسلم (2/627).

(33) سنن النسائي – باب قدر القراءة في صلاة الكسوف (3/146، 147ح1493).

(34) ترتيب المسند (1/163– 165ح 475، 476).

(35) المسند (1/298، 358).

(36) سنن الدارمي (1/360).

(37) صحيح ابن خزيمة (2/312، 313ح 1377).

(39) الإحسان (4/212، 213، 223ح 2821، 2842).

(40) الموطأ (1/185، 186).

(41) صحيح مسلم (2/626ح 907).

(42) صحيح البخاري، باب الصلاة في كسوف الشمس (2/526ح1041)، وباب لا تنكسف الشمس لموت  أحد ولا لحياته (2/545ح1057)، وفي كتاب بدء الخلق – باب صفة الشمس والقمر (6/297ح3204).

(43) صحيح مسلم (2/628ح911 /21، 22، 23).

(44) سنن النسائي – باب الأمر بالصلاة عند كسوف القمر (3/126ح1426).

(45) مسند الحميدي (1/216ح455).

(46) سنن ابن ماجه – باب ما جاء في صلاة الكسوف (1/400ح1261).

(47) مسند الشافعي (1/166ح483).

(48) المسند (4/122).

(49) سنن الدارمي (1/359).

(50) شرح معاني الآثار (1/332).

(51) صحيح ابن خزيمة (2/308ح1370).

(52) الدعاء (3/1797، 1798ح2215).

(53) صحيح البخاري (2/526ح1042) و (6/297ح3201).

(54) صحيح مسلم (2/630ح914).

(55) سنن النسائي (3/125، 126ح1461).

(56) المسند (2/109، 118).

(57) الإحسان (4/211ح 2817).

(58) صحيح ابن خزيمة (2/328، 329ح1400).

(59) المستدرك (1/331).

(60) تقريب التهذيب (529).

(61) الدعاء (3/1799، 1800ح2219).

(62) صحيح البخاري – باب الذكر في الكسوف (2/545ح1059).

(63) صحيح مسلم (2/628، 629ح912).

(64) سنن النسائي – باب الأمر بالاستغفار في الكسوف (3/153، 154ح1503).

(65)شرح معاني الآثار (1/331).

(66) صحيح ابن خزيمة (2/309ح 1371).

(67) الإحسان (4/220، 221ح 2836).

(68)صحيح البخاري (2/526، 536، 547ح 1040، 1048، 1063) وفي كتاب اللباس – باب من

     جرّ إزاره من غير خيلاء (10/254، 255 ح5785).

(69) سنن النسائي (3/124، 126، 127، 146، 152، 153ح 1459، 1463، 1491، 1502).

(70) المسند (5/37).

(71) صحيح ابن خزيمة (2/310، 311ح 1374).

(72) الإحسان (4/213، 214ح 2822، 2824).

(73) صحيح مسلم – باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة  

     والنار (2/622، 623 ح 904).

(74) سنن أبي داود (1/697ح 1179).

(75)سنن النسائي (3/136 ح 1478).

(76) مسند الطيالسي (241، 242ح 1754).

(77) المسند (3/374).

(78) صحيح ابن خزيمة (2/315، 316ح 1380، 1381).

(79) صحيح مسلم (2/623ح 904/10).

(80) سنن أبي داود (1/696ح 1178).

(81) المسند (3/318).

(82) شرح معاني الآثار (1/328).

(83) صحيح ابن خزيمة (2/318، 319ح 1386).

(84) الإحسان (4/218، 219ح 2832، 2833).

(85) الدعاء (3/1800ح 2221).

(86) المنهج الإيماني للدراسات الكونية في القرآن الكريم (ص181).

(87) الإنسان بين العلم والدين – الملحق – تحت عنوان (من معجزات النبوة) (ص241).

(88) ص (117 – 119).

 

 



بحث عن بحث