الحلقة (63) المبحث الخامس : (مكة هي مركز اليابس من الأرض)

 

   حديث «إن مكة هي أحب بلاد الله إلى الله»(*).

   ورد هذا الحديث عن عبدالله بن عدي بن حمراء، وأبي هريرة، وابن عباس:

   1– أما حديث عبدالله بن عدي بن حمراء. فأخرجه الترمذي(1)، وابن ماجة(2)، وأحمد(3)، والأزرقي(4)، وعبدالله بن حميد(5)، .
وابن أبي عاصم
(6)، والنسائي – في الكبرى –(7) وابن حبان(8)، والحاكم(9)، والبيهقي – في دلائل النبوة –(10) كلهم من طرق عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، عن عبدالله بن عدي بن حمراء الزهري > أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة(11) من مكة يقول لمكة: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت».

قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب(12) صحيح، وقد رواه يونس عن الزهري، نحوه. ورواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة(13)،عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث الزهري عن أبي سلمة، عن عبدالله بن عدي بن حمراء عندي أصح". اهـ.

   2– أما حديث أبي هريرة، فأخرجه عبدالرزاق(14)، وعنه أحمد(15)، والبزار(16)، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عنه، إلا أن الذي في مصنف عبدالرزاق مرسل، والظاهر أن هذا من اختلاف النسخ، والراجح وصله، كما اتفق عليه أحمد والبزار، ويقويه أيضاً أن النسائي خرجه – في الكبرى –(17) من طريق إبراهيم بن خالد، عن معمر، به مرفوعاً.

وأخرجه أحمد أيضاً، عن إبراهيم بن خالد، عن رباح، عن معمر، به(18)، إلا أنه أبهم الصحابي، فقال: عن بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكره.

   قال البزار: "لا نعلم رواه عن الزهري إلا معمر". اهـ.

   والزهري تابعه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، به، أخرجه البزار(19) إلا أنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بالحجون، مع زيادة في السياق.

   3– أما حديث ابن عباس، فأخرجه أبو يعلى(20) قال: حدثنا محمود بن خداش: حدثنا محمد بن عبيد، عن طلحة، عن ابن عباس، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. فذكره بنحو حديث ابن حمراء.

   ومحمد بن عبيد هو الطنافسي.

   وطلحة اثنان: طلحة بن عبدالله بن عوف (ثقة فقيه مكثر) (21)، وطلحة بن العلاء الأحمسي (مقبول) (22)، ذكرهما المزي في تلاميذ ابن عباس، ولم يذكر أيا منهما في شيوخ الطنافسي، وزعم محقق مسند أبي يعلى أن طلحة هنا هو الأول، والأولى – في نظري – أنه الثاني؛ لأنه كوفي كتلميذه الطنافسي، أما الأول فمدني وأخرجه الأزرقي(23)،

والصيداوي(24)، كلاهما من طريقين عن طلحة بن عمرو الحضرمي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس مرفوعاً، بنحوه. إلا أن طلحة هذا (متروك) (25).

   وأخرجه الترمذي(26)، وابن حبان(27)، والطبراني(28)، كلهم من طريقين عن الفضيل بن سليمان، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، وأبي الطفيل – معاً – عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنت غيرك».

   قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه"(29).

   ورجاله كلهم ثقات إلا الفضيل بن سليمان، فهو (صدوق، له خطأ كثير) (30)، إلا أنه قد تابعه زهير بن معاوية، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، به، أخرجه الحاكم(31)، وصححه، ووافقه الذهبي.

 

الاستدلال :

   استدل بهذا الحديث محمد كامل عبدالصمد، في كتابه (الإعجاز العلمي في الإسلام – السنة) (32)، على أن مكة هي مركز اليابسة، فقال – بعد أن ساق الحديث –: "الاكتشاف العلمي الجديد، الذي كان يشغل العلماء، والذي أعلن في يناير سنة 1977م، يقول: إن مكة المكرمة هي مركز اليابسة في العالم، وهذه الحقيقة الجديدة، استغرقت سنوات عديدة من البحث العلمي، للوصول إليها، واعتمدت على مجموعة من الجداول الرياضية المعقدة، استعان فيها العلماء بالحاسب الآلي.

   ثم قال: "ويروي العالم المصري الدكتور حسين كمال الدين، قصة الاكتشاف الغريب، فيذكر أنه بدأ البحث وكان هدفه مختلف تماماً، حيث كان يجري بحثاً ليُعِدَّ وسيلة تساعد كل شخص في أي مكان من العالم، على معرفة وتحديد مكان القبلة؛ لأنه شعر في رحلاته العديدة للخارج، أن هذه هي مشكلة كل مسلم عندما يكون في مكان ليست فيه مساجد تحدد مكان القبلة، أو يكون في بلاد غربية، كما يحدث لمئات الآلاف من طلاب البعثات....، وبعد أن وضع الخطوط الأولى في البحث التمهيدي، لإعداد هذه الخريطة، ورسم عليها القارات الخمس، ظهر له فجأة هذا الاكتشاف الذي آثار دهشته؛ فقد وجد أن موقع مكة المكرمة في وسط العالم، وأمسك بيده (بَرْجَلاً) (33) وضع طرفه على مكة، ومرّ  بالطرف الآخر على أطراف جميع القارات، فتأكد له أن اليابسة على سطح الكرة الأرضية، موزعة حول مكة، توزيعاً منتظماً، ووجد مكة وهي مركز الأرض اليابسة، وأعد خريطة العالم القديم، قبل اكتشاف أمريكا واستراليا، فإذا به يكتشف أن مكة هي أيضاً مركز اليابسة، حتى بالنسبة للعالم القديم يوم بدأت الدعوة للإسلام". ثم ذكر كيفية البحث، واستعانة الباحث بالحاسب الآلي، إلى أن اكتشف أنه استطاع أن يرسم دائرة(34)، يكون مركزها مكة وحدودها خارج القارات الأرضية الست، ويكون محيط هذه الدائرة يدور مع حدود القارات الخارجية(35)

   وقال تعليقاً على هذا: "مكة إذن – بتقدير الله – هي قلب الأرض، وهو بعض ما عبر عنه العلم في اكتشاف العلماء، بأن مركز التجمع الإشعاعي للتجاذب المغناطيسي، يوائمه ظاهرة عجيبة، قد تَذَوَّقَهَا كل من زار مكة حاجاً، أو معتمراً بقلب منيب، فهو يحس أنه ينجذب فطرياً إلى كل ما فيها: أرضها، وجبالها، وكل ركن فيها، حتى ليكاد لو استطاع أن يذوب في كيانها مندمجاً بقلبه وقالبه، وهذا إحساس مستمر منذ بدء الوجود الأرضي".

   ثم نقل من كتاب (مكة والمركز المغناطيسي للأرض) (36): "أن الأرض – شأنها شأن أي كوكب آخر – تتبادل مع الكواكب والنجوم قوة جذب تصدر من باطنها، وهذا الباطن يتركز في مركز لها، يصدر منه ما يمكن أن نسميه إشعاعاً، ونقطة الالتقاء الباطنية هي التي وصل إليها عالم أمريكي، في علم الطبوغرافيا(37)، بتحقيق وجودها وموقعها جغرافياً – وهو غير مدفوع لذلك بعقيدة دينية – فقد قام في معمله بنشاط كبير، مواصلاً ليله بنهاره، وأمامه خرائط الأرض وغيرها من آلات وأدوات، فإذا به يكتشف – عن غير قصد – أن مركز تلاقي الإشعاعات الكونية هو مكة".

   ثم قال: "ومن هنا تظهر حكمة الحديث الشريف، المبنية على قول الله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى: 7]، ومن ثم يمكن التعرف على الحكمة الإلهية في اختيار مكة بالذات، ليكون فيها بيت الله الحرام، واختيار مكة بالذات، لتكون نواة لنشر رسالة الإسلام للعالم كله، وفي ذلك من الإعجاز العلمي في الحديث، الذي أظهر أفضلية مكانها عن سائر البقاع".اهـ.

التعليق :

   لا أجد علاقة واضحة بين الحديث، وبين ما استدل به عليه، وإنما الإعجاز هو في اختيار مكة قبلة للمسلمين في كل مكان، وشعائر يحج إليها المسلمون من كل فج عميق.

   والخارطة التي رسمها الدكتور حسين كمال الدين هي هذه :

 

 


 

  

 

 

مكة المكرمة فـي الإسقاط المساحي المكي هي مركز العالم



(*) الإعجاز العلمي في الإسلام – السنة النبوية – ص (205).

(1) سنن الترمذي – كتاب المناقب – كتاب فضل مكة (5/679ح 3925).

(2) سنن ابن ماجه – كتاب المناسك – باب فضل مكة (2/1037ح 3108).

(3) المسند (4/305).

(4) أخبار مكة (2/154، 155) – في المطبوع (عمر بن عدي بن أبي حمراء) وهو خطأ.

(5) المنتخب من مسند عبد بن حميد (1/439 ح 490)، في المطبوع (عبدالرحمن بن عدي)

والصواب (عبدالله بن عدي).

(6) الآحاد والمثاني (1/447، 448 ح 621، 622).

(7) سنن النسائي الكبرى – كتاب الحج – كما في تحفة الأشراف (5/316).

(8) الإحسان (6/9ح3700).

(9) المستدرك (3/7، 431).

(10) دلائل النبوة (5/106، 107).

(11) والحزورة – مخففه – هي الرابية الصغيرة، لسان العرب (2/855). والتي هنا هي موضع

بمكة عند باب الحناطين، وقال الشافعي: "الناس يشددون الحزورة والحديبية، وهما مخففتان".

المجموع المغيث (1/444)، والنهاية في غريب الحديث (1/380). وكانت الحزورة سوق

بمكة ودخلت في المسجد الحرام، لما زيد فيه. معجم البلدان (2/255).

(12) هكذا في طبعة أحمد شاكر ومن بعده، وفي متن تحفة الأحوذي (10/427)، وأما تحفة

الأشراف (5/316) فليس فيها لفظة (غريب).

(13) هو الحديث الذي بعده.

(14) مصنف عبدالرزاق (5/27ح 8868).

(15) المسند (4/305).

(16) كشف الأستار (2/40ح1156).

(17) سنن النسائي الكبرى، كما في تحفة الأشراف (11/54).

(18) المسند (4/305).

(19) كشف الأستار (2/41ح 1157).

(20) مسند أبي يعلى (5/69ح 2662).

(21) تقريب التهذيب، ص (282).

(22) المصدر السابق (283).

(23) أخبار مكة (2/155/156).

(24) معجم الشيوخ ص (220).

(25) تقريب التهذيب ص (283).

(26) سنن الترمذي (5/670، 680ح 3926).

(27) الإحسان (6/9ح 3701).

(28) المعجم الكبير (10/325، 329ح 10624، 10633).

(29) كذا في تحفة الأشراف (4/421)، وتحفة الأحوذي (10/428)، ولفظة (صحيح) ليست في

طبعة أحمد شاكر ومن بعده.

(30) تقريب التهذيب، ص (447).

(31) المستدرك (1/486).

(32) الإعجاز العلمي في الإسلام – السنة النبوية – ص (205 – 207).

(33) البرجل: آله مركبة من ساقين متصلين، تثبت احداهما وتدور حولها الأخرى، ترسم بها الدوائر

والأقواس، ويقولون له أيضاً: بِركار. وفِرجار. المعجم الوسيط (1/47/ مادة: برجل).

(34) انظر صورتها المرفقة.

(35) نشر هذا البحث في مجلة البحوث الإسلامية مع خرائطه، العدد الثاني ص (731 – 776)،

ونشر في مجلة العلم والإيمان، التونسية الليبية، العدد العشرون عام 1977م – كما ذكر المستدل

وغيره.

(36) لمحمد البوهي، كما ذكر المستدل.

(37) الطبوغرافيا: بيان الملامح العامة لسطح الأرض، طبيعية كانت أو صناعية. المعجم الوسيط

(2/551).

 



بحث عن بحث