شبهة أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها والرد عليها(3)

 

 

الدليل الرابع من القرآن على تكفل الله بحف السنة

4- ويذكر الإمام ابن قيم الجوزية : دليلاً رابعاً من كتاب الله عز وجل على تكفله -جل جلاله- بحفظ السنة فى قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )[ سورة المائدة / 3 ] وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )[ سورة آل عمران / 85 ] . وقال تعالى :(إن الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )[ سورة آل عمران / 19 ].

يقول ابن قيم الجوزية : "فنقول لمن جوز أن يكون ما أمر الله به نبيه من بيان شرائع الإسلام غير محفوظ، وأنه يجوز فيه، التبديل، وأن يختلط بالكذب الموضوع اختلاطاً لا يتميز أبداً، أخبرونا عن إكمال الله تعالى لنا ديننا، ورضاه الإسلام لنا ديناً، ومنعه من قبول كل دين سوى الإسلام .

أكل ذلك باق علينا ولنا وإلى يوم القيامة؟

أم إنما كان ذلك للصحابة رضي الله عنهم فقط؟

أولا للصحابة ولا لنا؟ ولابد من أحد هذه الوجوه .

فإن قالوا : لا للصحابة ولا لنا؛ كان قائل هذا القول كافراً لتكذيبه الله جهاراً، وهذا لا يقوله مسلم .

وإن قالوا : بل كل ذلك لنا وعلينا وإلى يوم القيامة؛ صاروا إلى قولنا ضرورةً، وصح أن شرائع الإسلام كلها كاملة والنعمة بذلك علينا تامة .

وهذا برهان ضرورى وقاطع على أن كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الدين، وفى بيان ما يلزمنا محفوظ لا يختلط به ما ليس منه أبداً .

وإن قالوا : بل كان ذلك للصحابة فقط، قالوا : الباطل، وخصصوا خطاب الله بدعوى كاذبة، إذ خطابه تعالى بالآيات الكريمة التى ذكرها عموم لكل مسلم فى الأبد، ولزمهم مع هذه العظيمة أن دين الإسلام غير كامل عندنا، والله تعالى رضى لنا منه ما لم يحفظه علينا وألزمنا منه ما لا ندرى أين نجده، وافترض علينا اتباع ما كذبه الزنادقة . ووضعوه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أو وهم فيه الواهمون مما لم يقله نبيهم صلى الله عليه وسلم - وهذا بيقين ليس هو دين الإسلام، بل هو إبطال لدين الإسلام جهاراً، ولو كان هذا - ومعاذ الله أن يكون - لكان ديننا؛ كدين اليهود والنصارى الذين أخبر الله تعالى أنهم كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا : هذا من عند الله، وما هو من عند الله .

ونحن قد أيقنا بأن الله تعالى هو الصادق فى قوله :( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ )[ سورة البقرة / 213 ] وأنه تعالى قد هدانا للحق، فصح يقيناً أن كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، هدانا الله تعالى له، وأنه حق مقطوع به حفظه الله تعالى، وقد قال تعالى : { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا }[ سورة فاطر / 43 ]

وقال تعالى :(لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ )[ سورة يونس / 64 ] . فلو جاز أن يكون ما نقله الثقات الذين افترض الله علينا قبول نقلهم والعمل به والقول بأنه سنة الله وبيان نبيه يمكن فى شيء منه التحويل أو التبديل؛ لكان إخبار الله تعالى بأنه لا يوجد لها تبديل ولا تحويل كذباً، وهذا لا يجيزه مسلم أصلاً؛ فصح يقيناً لا شك فيه أن كل سنة سنها الله عز وجل لرسوله، وسنها رسوله لأمته، لا يمكن فى شيء منها تبديل ولا تحويل أبداً، وهذا يوجب أن نقل الثقات فى الدين؛ يوجب العلم بأنه حق كما هو من عند الله عز وجل"(1) أ.ه

 


(1) مختصر الصواعق المرسلة 2 / 543 ، 544 .

 



بحث عن بحث