شبهات حول السنة والرد عليها(3)

 

 

تكملة الرد على الشبهة :

ومع هذا فنحن نسلم لكم أن المراد من الكتاب "القرآن"، ولكننا نقول لكم : إن هذا العموم غير تام، بل هو مخصص بقول الله تعالى : ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [ سورة النحل / 64 ] .

والذى يجعلنا نذهب إلى تخصيص هذا العام أمران :

1- لتتفق آيات القرآن ولا تتعارض فى ظاهرها؛ فإن القرآن ملئ بالآيات التي فوض الله نبيه صلى الله عليه وسلم فى شرح أحكامها .

2- إن كثيراً من الأمور الجزئية فى حياة المجتمع تحتاج إلى حكم، وليس فى القرآن إلا قواعده الكلية العامة(1)    .

وعلى هذا فلا بأس أن يكون الكتاب فى الآية الكريمة هو القرآن الكريم.

ونقول لكم : نعم لم يفرط ربنا عز وجل فى كتابه في شيء من أمور الدين على سبيل الإجمال، ومن بين ما لم يفرط فى بيانه وتفصيله إجمالاً بيان حجية السنة ووجوب اتباعها والرجوع والتحاكم إليها؛ فالقرآن جامع - دون تفريط - كل القواعد الكبرى للشريعة التي تنظم للناس شئون دينهم ودنياهم، والسنة النبوية هى المبينة لجزئياتها وتفاصيلها وهي المنيرة للناس طريق الحياة، وتنسجم هذه الآية مع الآيات الأخرى التي تؤكد بالنص أهمية السنة تجاه ما في الكتاب من القواعد التى تحتاج إلى تخصيص أو تقييد أو توضيح أو تبيين..إلخ (2)  

 

وهنا نأتي للرد على الآيات الأخرى التي استدلوا بها على أن القرآن أنزل مفصلاً وتبياناً لكل شيء، فلا يحتاج بعد هذا البيان إلى السنة المطهرة .

أما قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا )  . وقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ )  .

فالمراد بالتفصيل والبيان هنا : تفصيل وبيان كل شيء من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، أما تفاصيل تلك القواعد وما أشكل منها؛ فالبيان فيها راجع إلى السنة النبوية قال تعالى :( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) [ سورة النحل / 44 ]  فقاعدة وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتحاكم إلى سنته المطهرة من القواعد الكلية المجملة لهذا الدين، وفصلها ربنا عز وجل فى كتابه العزيز كما فى الآية السابقة، وكما في قوله تعالى : ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ )[ سورة النحل /64 ]

 يقول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى ( تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قد بين لنا فى هذا القرآن كل علم وكل شيء ، وقال مجاهد: كل حلال وحرام، وقول ابن مسعود أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون فى أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم - وقال الأوزاعي : "تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" أي بالسنة  (3) .

ولا تعارض بين القولين - ابن مسعود والأوزاعي - فابن مسعود يقصد العلم الإجمالي الشامل، والأوزاعي يقصد تفصيل وبيان السنة لهذا العلم الإجمالي .

 ومن هنا؛ فالقول بأن القرآن الكريم تبيانٌ لكل شيء قول صحيح فى ذاته بالمعنى الإجمالي السابق ولكن الفساد فيما بنوه عليه من الاستغناء عن السنة والاكتفاء بالقرآن ليؤولوه حسب أهوائهم ، وإلا فرب العزة هو القائل فى نفس سورة النحل وقبل هذه الآية قال تعالى : ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ )[ سورة النحل /38 ، 39 ]  .

وقال تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [ سورة النحل/44 ]

وقال تعالى : (وما أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[ سورة النحل / 64 ] 

فتلك ثلاث آيات كريمات فى نفس سورة النحل وسابقة لآية ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) والثلاث آيات تسند صراحة مهمة البيان والتفصيل إلى النبى صلى الله عليه وسلم صاحب السنة المطهرة، فهل يعقل بعد ذلك أن يسلب الله عز وجل هذه المهمة – البيان ــ التي هي من مهام الرسل جميعاً كما قال عز وجل ( وما أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ )[ سورة إبراهيم / 4 ]  . وقال عز وجل : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ )[ سورة آل عمران / 187 ]  . ويوقع التناقض بآية ( ونزلنا عليك الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ )

إن كل الرافضين لحجية السنة، لابد أن يلتزموا بهذه النتيجة التي تعود بالنقض على الإيمان بالكتاب، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله، سواء أقروا بلسانهم بهذا النقض أم لا، وتنبهوا إلى ذلك أم لا؟!! (4)   


(1)  ــ انظر البحر المحيط للزركشي ( 1 / 441 ) .

(2)  ــ انظر : حجية السنة ص 384 ، 385 ، والسنة بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين ص 18 ــ 24 .

(3)  ــ تفسير ابن كثير ( 2 / 582).

(4)  ــ انظر السنة في كتابات أعداء الإسلام ( 1 / 197 ).

 



بحث عن بحث