عندما نرى أسيرا مظلوما يعاني ألوان الذل و صنوف العذاب فإننا نرثي لحاله و نشعر بحرارة آلامه تحرق قلوبنا وتهمي مدامعنا .

ولو تأملنا أحوالنا مع أنفسنا التي تستمرئ المعصية و تعاقر الخطيئة  لرأينا بعين البصيرة ذلك المشهد المفجع المتكرر!  نحن فيه الجلادون وجوارحنا هي الأسرى !  مع الفارق الشاسع بين الأسيرين ، فالأول تنتهي آلامه بفكاكه أو موته ويدخر أجره في الآخرة ، والثاني يبقى وزره يوم الدين يتجرع مرارته و يكتوي بحرارته.

 هذه هي الحقيقة التي نعيشها صبح مساء ونحن لا نشعر ، فكم  تستغيث بنا جوارحنا لتحيا مطمئنة فيما يرضي الله عز وجل من أبواب الخير والبر ؛ و يباعد من مخالفته  ؛   فتهتف الأذن :"يا أمة الله يا راجية ثواب الرحمان لا تسمعي لداعي الهوى والشيطان "، و يبادر البصر:" ألا لا تنظري إلى ما نهى الله تعالى عنه و غضِّ الطرف عن محارمه "و يستجير اللسان :" خنقتني أحاديث الغيبة والنميمة و آلمتني سياط الكذب و البهتان  !  حنانيك ارفقي  بي و أريحيني بذكر الله وتلاوة آياته " و هكذا تستنجد سائر الجوارح و الأعضاء !.

فوا عجبا  حين تصمُّ الآذان عن سماع استغاثتها ، لتقيّد في أغلال الهوى و الغفلة ، تهتك حرمات الله تعالى وتجرح أعراض الناس  ، وتصرم الأرحام و تهيم في ظلمات البغي و العدوان .

حتى إذا انطوت صفحات العمر ، و غابت شمس الحياة عن البشر ، و أقبل اليوم الآخر ، و مدت صحائف الأعمال من خير وشر ، و قام الناس لرب العالمين ، في تلك اللحظات الحاسمة ... والموقف الرهيب ... الذي تبلغ فيه القلوب الحناجر ، يحضر الشهود و تنطق الجوارح بما اقترفت ، وحينها  لن تستغيث بنا  أو تعتذر لنا ،  فقد ولّى زمن العمل و التذكرة  !

بله ستنطق بكل حركة عملتها ، و إساءة ارتكبتها ، فما تزيد صاحبها  إلا حسرة على  نفسه ومقتا من ربه و خزيا من الناس أجمعين .

قال تعالى :( اليوم نختم على أفواههم و تكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) [سورة يس ، الآية : 65] .

فهلا استدركنا ما فات بالتوبة النصوح ، و بادرنا إلى الطاعات و سابقنا إلى الخيرات ،

و حررنا أنفسنا من سلطان الهوى واستعباد الشيطان إلى عبادة الله الكريم الرحمان لنحيا في هناء و سعادة و نجزى الحسنى و زيادة بإذن ربنا تبارك و تعالى .

 

قسم الدراسات الإسلامية

د. منى بنت أحمد القاسم



بحث عن بحث