حديث ((فمسح رأسي ودَعَا لي بالبركة...))

 

 

(5) عن السائب بن يزيد قال : ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابن أُختي وَقِعٌ، « فمسح رأسي ودَعَا لي بالبركة، ثم توضّأ فشربت من وَضوئه، ثم قمتُ خلف ظهره فنظرتُ إلى خاتم النُّبوَّةِ بين كتفيه مثْل زِرِّ الحَجَلَة». (1)                                                                   

السائلة :

قال أبو ذرّ سبط ابن العَجمي – رحمه الله - : خالة السائب بن يزيد؛ في حفظي أنها فاطمة بنت شُريح (2).

و قال المباركفوري – رحمه الله - : اسمها عُلْبَة –بضم المهملة- بنت شُرَيْح (3) ، أخت (4)  مخَرْمَةَ بن شُريح، وقد وَهِم، فإن المذكورة هي: أم السائب بن يزيد وليست خالته، وقال ابن حجر: لم أقف على اسم خالته (5) .

غريب الحديث :

وقع: أي مريضٌ مُشْتَكٍ، مثل وَجِعٌ وأصله: وَهْنُ الرِّجل ومرضها من حجارةٍ أو حَفَاءٍ يُصيبها، وروى بعضهم وَقَعَ: على الفعل الماضي (6) .

زِرُّ الحَجَلَةِ : قال القاضي عياض – رحمه الله تعالى - : والصحيح المعنى المشهور وهو: أن الزَّرَّ : واحد الأزرار التي تدخل في العرى، كأزرار القميص، والحَجَلَة واحدة الحِجَال وهو سِتْر ذو سُجُوفٍ(7).

من فوائد الحديث :

1/ مشروعية الذهاب بالصبيان إلى الصالحين، وسؤالهم الدعاء لهم بالبركة، والصلاح والخير (8)

2/ التبرك المشروع بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وشربه والاغتسال به وأثره في إبراء المرضى وذوي العاهات، وهو من التبرك بالآثار الحسية المنفصلة عنه صلى الله عليه وسلم، والبركة من اختصاصه في ذاته وأفعاله وآثاره واستجابة الله سبحانه لدعائه صلى الله عليه وسلم (9) .

3/ لا يجوز التبرك بشيء من الآثار الحسية المنفصلة عن أحد من الأشخاص غير النبي صلى الله عليه وسلم، وترك الصحابة – رضي الله عنهم - التبرك بأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - ومن بعدهما من خيار هذه الأمة دليل على إجماع الصحابة –رضي الله عنهم- على تحريمه (10) .

4/ قال القرطبي – رحمه الله تعالى - : اتفقت الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن خاتم النبوّة كان شيئًا بارزًا أحمرًا عند كتفه الأيسر، قدره إذا قُلِّلَ قدر بيضة الحمامة وإذا كُبِّر جمع اليد - والله أعلم – (11).

5 / اختلف العلماء في الطهارة بالماء المستعمل في الوضوء والغسل، على أقوال:

1. لا تجوز الطهارة به على كل حالٍ وهو مذهب الشافعي، وظاهر مذهب أحمد أنه طاهر غير مطهِّر لا يرفع حدثًا ولا يزيل نجسًا، وهو قول الليث والأوزاعي والمشهور عن أبي حنيفة، واختلف فيه عن الثوري، وذهب أبو يوسف إلى أن نجس .

2. يكره التطهر به، ولا يجوز التيمم مع وجوده، وهو مذهب مالك وأصحابه .

3. جواز التطهر به ولا فرق بينه وبين الماء المطلق، وهو قول الحسن وعطاء والنخعي والثوري والزهري ومكحول وابن حزم وأهل الظاهر، ورواية عن أحمد، والرِّواية الثانية لمالك والشافعي – رحمهم الله - .

وسبب الخلاف: ما يظن من أنه لا يتناوله اسم الماء المطلق حتى إن بعضهم غلا فظن أن اسم الغسالة أحق به، والراجح الصحيح في ذلك هو :

جواز الوضوء والغسل بالماء المستعمل في الطهارة، سواء وجد ماء آخر أو لم يوجد، أو كان الوضوء لفريضة أو نافلة لرجل أو امرأة (12) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رضي الله عنه - : والقول بنجاسته مخالف للنصوص الصحيحة والأدلة الجليَّة وليست هذه المسألة من موارد الظنون، بل هي قطعية بلا ريب (13) .

ومما استدل به الجمهور، شرب السائب – رضي الله عنه - من وضوء النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الباب، وتقرير الصحابة – رضي الله عنهم - على التبرك بوضوئه واقتتالهم عليه، وصبه صلى الله عليه وسلم وضوءه على جابر – رضي الله عنه – (14)، وهو حكم له ولأمته .

قال ابن المنذر – رحمه الله تعالى - : وفي إجماع أهل العلم أن الندى الباقي على أعضاء المتوضئ والمغتسل وما قطر على ثيابهما طاهر؛ دليل على طهارة الماء المستعمل، وإذا كان طاهرًا فلا معنى لمنع الوضوء به بغير حجة (15) .


(1) صحيح، متفق عليه ، رواه البخاري – واللفظ له - (18 ح190) و (289 ح3541) ، بلفظه إلا أنه قال: خاتم بين كتفيه، ولم يقل: مثل زِرِّ الحجلة، وزاد في آخره: قال ابن عبيدالله (شيخ البخاري) الحُجْلَةُ من حُجَل الفَرَسِ الذي بين عَيْنَيْهِ .

و (288 ح3540) بسنده عن الجعيد بن عبدالرحمن قال : رأيت السائب بن يزيد ابن أربع وتسعين جَلْدًا مُعْتَدلاً، فقال: قد علمتُ ما مُتَعتُ به – سمعي وبصري - إلا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن خالتي ذهبت بي إليه فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي شاكٍ فادع الله له، قال فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسلم (1090 ح2345).

(2)     تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم، (ص399) .

(3)     تحفة الأحوذي (10/88) .

(4)      الاستيعاب (4/1886)، الإصابة (8/29) .

(5)     فتح الباري (10/156) .

(6)      مشارق الأنوار (2/369)، النهاية في غريب الحديث (5/214) .

(7)      مشارق الأنوار (1/231)، الديباج (5/335) .

قال النووي – رحمه الله - : وهو الصواب الذي قاله الجمهور. شرح النووي (15/97) .

        والسُّجوف : أستار رقيقة. مشارق الأنوار (2/257) .

(8)      ينظر: شرح ابن بطال (10/112)، (9/386) .

(9)     ينظر: كتاب التبرك أنواعه وأحكامه (ص66) و(ص507) .

(10)   ينظر: الاعتصام للشاطبي (2/8، 9) .

(11)   ينظر: شرح النووي (15/98)، فتح الباري (6/698) .

(12)    المدونة الكبرى (1/14)، الأم (1/8)، المحلى (1/183)، بداية المجتهد (1/20)، المغني (1/31)، نيل الأوطار (1/23- 31).

(13)   مجموع الفتاوى (21/ 66) .

(14)    رواه البخاري (484 ح5651) بسنده عن جابر بن عبدالله قال: مرضت مرضًا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فوجداني أغمي علي فتوضأ النبي صلى الله عليه     وسلم ثم صبَّ وضُوءَهُ علي فأفقت. الحديث .

(15)   الأوسط (1/288)، فتح الباري (1/393) .

 

 



بحث عن بحث