حكم الصيام في رجب ( 3-4 )

من الأمور المبتدعة في شهر رجب : تخصيصه بالصيام ، والمخصصين له استندوا إلى أحاديث بعضها ضعيف ، وكثير منها موضوع .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ أما تخصيص رجب وشعبان جميعاً بالصوم ، أو الاعتكاف ، فلم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ولا عن أصحابه ، ولا أئمة المسلمين، بل قد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان، ولم يكن يصوم من السنة أكثر مما يصوم من شعبان ، من أجل شهر رمضان )(1).

وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة ، بل موضوعة ، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها ، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل ، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات ، وأكثر ما روي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان إذا دخل رجب يقول : ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)(2).

وقد روى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم  ((نهى عن صيام رجب))(3) . وفي إسناده نظر . لكن صح أن عمر بن الخطاب كان يضرب أيدي الناس ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب ، ويقول : لا تشبهوه برمضان .

ودخل أبو بكر فرأى أهله قد اشتروا كيزانا للماء واستعدوا للصوم فقال : ما هذا ؟ فقالوا: رجب. فقال: أتريدون أن تشبهوه برمضان ؟ وكسر تلك الكيزان .

فمتى أفطر بعضاً لم يكره صوم البعض .

وفي المسند وغيره حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه أمر بصوم الأشهر الحرم )) .وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، فهذا في صوم الأربعة جميعاً ، لا من تخصص رجب ](4) .

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-  أن تعظيم شهر رجب من الأمور المحدثة التي ينبغي اجتنابها ، وأن اتخاذ شهر رجب موسماً بحيث يفرد بالصوم مكروه عن الأمام أحمد - رحمه الله - وغيره )(5).

وقال ابن قيم الجوزية في هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع: [ لم يصم الثلاثة الأشهر سرداً -رجب وشعبان ورمضان -كما يفعله بعض الناس ، ولا صام رجباً قط ، ولا استحب صيامه ، بل روي عنه النهي عن صيامه ذكره ابن ماجه(6) ](7) .

وقد صح عن ابن عباس أنه كان ينهى عن صيام رجب كله لئلا يتخذ عيداً (8). وصح عنه أيضاً قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان .

مما تقدم  يتبين لنا أن شهر رجب لا يخصص بصيام دون غيره من الأشهر ، فلم يأمر به صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا التابعون، ولا السلف الصالح، وكل ما ورد في صيامه من النصوص فقد اتفق جمهور العلماء على أنها موضوعة إلا القليل منها ضعيف جداً لا يصلح الاحتجاج به .

وتخصيصه بالصيام تعظيم له ، وتعظيم شهر رجب فيه تشبه بأهل الجاهلية ، ومن تشبه بقوم فهو منهم .

يتبع في العدد القادم        

 

(1) رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/213) كتاب الصوم،حديث رقم (1970).ورواه مسلم في صحيحه (2/811) كتاب الصيام،حديث رقم (1156) . وليس فيهما زيادة ( من أجل شهر رمضان ) .

(2) رواه الإمام أحمد في مسنده (1/259) ،وفيه زائدة بن أبي الرقاد عن زيادة النميري . قال ابن حجر : وزائدة بن أبي الرقادة روى عنه جماعة . وقال فيه أبو حاتم : يحدث عن زيادة النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة ، فلا يدري منه أو من زيادة ، ولا أعلم روى عنه غير زيادة ، فكنا نعتبر حديثه . وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : بعد أن أخرج له حديثاً في السنن : لا أدري من هو ، وقال في الضعفاء : منكر الحديث ، وقال في الكنى : ليس بثقة . وقال ابن حبان : لا يحتج بخيره .

انظر تبيين العجب بما ورد في فضل رجب لابن حجر ص(12)

(3) رواه ابن ماجه في سننه (1/554) ، كتاب الصيام . حديث رقم (1743) ، وفيه داود بن عطاء المدني وهو متفق على تضعيفه . قال ابن الجوزي : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحمد بن حنبل : لا يحدث عن داود بن عطاء . وقال البخاري : منكر الحديث . وانظر: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (2/77، 78) ، والعلل المتناهية ( 2/ 65) ،حديث رقم (913)

(4) مجموع فتاوى الشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (25/290و291) .

(5) انظر اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 624،625 .

(6) سبق تخريجه انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية .

(7) زاد المعاد 2/64 .

(8) رواه عبد الرزاق في مصنفه (4/292) . رقم (7854) . وقال ابن حجر : وهذا إسناد صحيح . يراجع تبيين العجب : ص(35) .



بحث عن بحث