عتيرة رجب ( 2-4 )

العتيرة هي ذبيحة كانت تذبح للأصنام في العشر الأُول من رجب فيصب من دمها على رأسها ، وهي من أفعال أهل الجاهلية ، وكان بعضهم إذا طلب أمراً نذر لئن ظفر به ليذبحن من غنمه في رجب كذا وكذا (1).

وأما العتيرة الواردة في الأحاديث فهي التي أشبهت الأضحية في كونها تقرب لله تعالى ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (على كل أهل بيت أضحية وعتيرة )(2)

 حكم العتيرة :

 اختلف العلماء في حكم العتيرة على أقوال :

القول الأول : أن العتيرة مستحبة ، وقد ذهب إليه ابن سيرين والشافعي وغيرهما رحمهم الله(3) ، والدليل على ذلك ما رواه مخنف بن سليم قال : كنا وقوفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول : ( يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي تسمونها الرجبية )(4) ، وأجابوا عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لا فرع ولا عتيرة )(5) أي لا عتيرة واجبة.

 القول الثاني : أنها لا تستحب ، لكن لا تُكره ، واستدلوا بما رواه يحيى بن زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو الباهلي قال : سمعت أبي يذكر أنه سمع جده الحارث بن عمرو لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ...... فقال رجل من الناس : يا رسول الله العتائر والفرائع ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (( من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع ، وفي الغنم أضحيتها ) وقبض أصابعه إلا واحدة(6).

وأجابوا عن قوله صلى الله عليه وسلم : (لا فرع ولا عتيرة ). بثلاثة أوجه :

أحدها : أن المراد نفي الوجوب - كجواب الشافعي - رحمه الله - السابق .

الثاني : أن المراد نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم .

والثالث : أن المراد أنها ليست كالأضحية في الاستحباب أو ثواب إراقة الدماء .      

القول الثالث : النهي عن العتيرة ، وأنها باطلة ، وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية ، وفعله بعض أهل الإسلام ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما ، ثم نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :(لا فرع ولا عتيرة ). فانتهى الناس عنهما لنهيه إياهم عنها ، ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل، والدليل على أن الفعل كان قبل النهي حديث نبيشة:( إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية ، فما تأمرنا ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا الله عز وجل وأطعموا )(7)، أي اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا لله وأطعموا أي اذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح لله لا لغيره في أي شهر كان لا أنها في رجب دون ما سواه من الشهور .

وقال أبو عبيد وابن المنذر وغيرهما بأن أحاديث الإذن بالعتيرة منسوخة ، ودليل النسخ أمران :

أحدهما أن أبا هريرة هو الذي روى حديث لا فرع ولا عتيرة وهو متفق عليه ، وأبو هريرة متأخر الإسلام أسلم في السنة السابعة من الهجرة ، والثاني أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمراً متقدماً على الإسلام(8) .

ثم إن هذا من باب العبادات ، والعبادات توقيفية ، فلو لم ينفها صلى الله عليه وسلم كانت منتفية ، فإن أمور الجاهلية كلها منتفية ، لا يحتاج إلى أن ينصص على كل واحد منها(9) .

[والراجح -والله أعلم - هو القول بالبطلان ، لاتفاق جمهور العلماء على أن ما ورد في العتيرة منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم : (لا فرع ولا عتيرة ).وأن اللام في هذا الحديث تفيد النفي قياساً على قوله صلى الله عليه وسلم : (لا عدوى ولا طيرة ). ولما في العتيرة من التشبه بأهل الجاهلية ، وهذا منهي عنه ، ولأن الذبح عبادة ، والعبادات توفيقية .

ولكن ليس هذا معناه أنه لا يجوز الذبح عموماً في شهر رجب ولكن المراد بالنهي هو ما ينويه الذابح أن هذه الذبيحة هي عتيرة رجب ، أو أنه ذبحها تعظيماً لشهر رجب ونحو ذلك . - والله أعلم -](10) .

 

يتبع في العدد القادم

 

(1) انظر غريب الحديث (1/ 195و196) ، النهاية في غريب الحديث 2/485 ، لسان العرب (4/537) مادة (عتر) ، معالم السنن (4/92) . أول كتاب الضحايا . حديث رقم (2670) ، فتح الباري 9/598 .

(2) رواه أحمد في مسنده (4/215) ، ورواه النسائي في سننه (7/167، 168) كتاب الفرع والعتيرة ، رواه الترمذي في سننه (3/37) أبواب الأضاحي، حديث رقم (1555) ، واللفظ له ،وقال : حديث حسن غريب. ورواه أبو داود في سننه (3/256) ،كتاب الضحايا . حديث رقم(2788) ،وقال الخطابي في معالم السنن 4/94: هذا الحديث ضعيف المخرج ، وأبو رملة مجهول . ونقل ابن حجر تضعيفه للحديث في الفتح 9/597 .

(3) انظر المجموع (8/445، 446) وفتح الباري 9/597 وما بعدها ، شرح صحيح مسلم للنووي 13/137، والشرح الكبير لابن قدامة 2/304،305 ، ولطائف المعارف ص والبدع الحولية ص215 وما بعدها

(4) سبق تخريجه

(5) رواه البخاري في صحيحه ك العقيقة ح5473-9/596 مع فتح الباري ، ورواه مسلم في صحيحه ك الأضاحي ح1976-3/1564

(6) رواه النسائي في سننه (7/168، 169) ،كتاب الفرع والعتيرة ، ورواه الحاكم في المستدرك (4/236) كتاب الذبائح ، وقال : حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وأشار إلى أنه على شرط الشيخين .

(7) رواه أحمد في مسنده (5/76) ، ورواه أبو داود في سننه (3/255) ،كتاب الأضاحي حديث (2830) ، ورواه النسائي في سننه (7/169، 170) ،كتاب الفرع والعتيرة ، ورواه ابن ماجه في سننه (2/1057، 1058) كتاب الذبائح ، حديث رقم (3167) . ورواه الحاكم في المستدرك (4/235) كتاب الذبائح ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .

(8) انظر حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 7/341،342 .

(9) انظر فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (6/165و166) .

(10) انظر البدع الحولية للشيخ عبد الله بن عبد العزيز التويجري 1/221 .



بحث عن بحث