آداب طلب العلم (4-5)

 

6- أن لا يمنعه خجله من السؤال :

ولذلك قال بعض السلف : " لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر " ، يحمله تكبره على أن يعجب بنفسه ويبقى على جهله، وكذلك أيضا يحمله خجله عن أن لا يطلب أو يستفيد ممن معه علم فيبقى على جهله.

روى الإمام مسلم في صحيحه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت:

جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم، إذا رأت الماء" فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وتحتلم المرأة؟ فقال: "تربت يداك. فبم يشبهها ولدها ". صحيح مسلم ( 313 ) .

وهذا ابن عباس رضي الله عنهما ، مع حرصه على  ملازمة النبي  صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، ودعائه له صلى الله عليه وسلم كان مجتهدا في طلب العلم من فقهاء الصحابة بعد وفاة النبي  صلى الله عليه وسلم فعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير قال: فقال: واعجبا لك أترى الناس يفتقرون إليك؟ قال: فترك ذلك وأقبلت أسأل، فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتي بابه وهو قائل  فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك هلا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول: لا أنا أحق أن آتيك فأسأله عن الحديث فعاش الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني فقال: هذا الفتى كان أعقل مني "(1) .         

7- التواضع والسكينة ونبذ الخيلاء والكبر:

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلّموا العلم، وتعلّموا له السكينةَ والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمون، وليتواضع لكم من تعلِّمون، ولا تكونوا جبابرة العلماء، ولا يقوم علمكم مع جهلكم) (2) .

وكتب الإمام مالك إلى الرشيد: "إذا علمت علماً فليُرَ عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره وحلمه" (3)

وقال الإمام الشافعي: "لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلّ النفس وضيق العَيش وخدمة العلماء أفلح" (4) .

 

8- الهمة في طلب العلم:

لتكن همتك في طلب العلم عالية ؛ فلا تكتفِ بقليل العلم مع إمكان كثيره، ولا تقنع من إرث الأنبياء - صلوات الله عليهم - بيسيره، ولا تركن إلى الكسل والتواني ولا تسوّف ، واجعل قدوتك العلماء العاملين الذين جدوا وتسابقوا في هذا الميدان . ولا تؤخر تحصيل فائدة تمكنت منها ولا يشغلك الأمل والتسويف عنها؛ فإن للتأخير آفات، ولأنك إذا حصلتها في الزمن الحاضر؛ حصل في الزمن الثاني غيرها.

واغتنم وقت فراغك ونشاطك، وزمن عافيتك، وشرخ شبابك، ونباهة خاطرك، وقلة شواغلك، قبل عوارض البطالة أو موانع الرياسة.

وينبغي لك أن تعتني بتحصيل الكتب المحتاج إليها ما أمكنك؛ لأنها آلة التحصيل، ولا تجعل تحصيلها وكثرتها (بدون فائدة) حظك من العلم، وجمعها نصيبك من الفهم، بل عليك أن تستفيد منها بقدر استطاعتك.  

قال ابن جماعة الكناني: "الذي ينبغي لطالب العلم أن لا يخالط إلا من يفيده أو يستفيد منه... فإن شرع أو تعرض لصحبة من يضيع عمره معه ولا يفيده ولا يستفيد منه ولا يعينه على ما هو بصدده فليتلطّف في قطع عشرته من أول الأمر قبل تمكّنها، فإن الأمور إذا تمكّنت عسرت إزالتها" (5).  

 

9- اختيار الصاحب:

احرص على اتخاذ صاحب صالح في حاله، كثير الاشتغال بالعلم، جيد الطبع، يعينك على تحصيل مقاصدك ، ويساعدك على تكميل فوائدك ، وينشطك على زيادة الطلب ، ويخفف عنك الضجر والنصب ، موثوقاً بدينه وأمانته ومكارم أخلاقه ، ويكون ناصحاً لله غير لاعبٍ ولا لاه ." انظر تذكرة السامع لابن جماعة.

وإياك وقرين السوء؛ فإن العرق دساس، والطبيعة نقالة، والطباع سراقة، والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فاحذر معاشرة من كان كذلك فإنه المرض، والدفع أسهل من الرفع .

 


 

(1) - الإصابة لابن حجر ترجمة عبد الله بن عباس  4 / 90

(2) - انظر: الزهد لوكيع (275).

(3) - انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص15-16).

(4) - انظر: تذكرة السامع والمتكلم (ص71-72).

(5) - تذكرة السامع والمتكلم (ص83).



بحث عن بحث