آداب السفر ( 3-3 )

الثالث عشر: اجتناب التعريس في الطريق: 

 لأن المسافر قد يحتاج إلى الراحة بعض الوقت أثناء الطريق، خصوصا آخر الليل، فعليه أن يجتنب الطريق، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في السنَة فبادروا بها نقيها، وإذا عرستم [المعرس: الذي يسير نهاره ويعرس أي ينزل أول الليل، وقيل: التعريس النزول في آخر الليل] فاجتنبوا الطريق، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل ) رواه مسلم (1926) . قال النووي: وهذا أدب من آداب السير والنزول أرشد إليه صلى الله عليه وسل ، لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق لسهولتها، ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه، وتجد فيها من رمة ونحوها، فإذا عرس الإنسان في الطريق ربما مر منها ما يؤذيه، فينبغي أن يتباعد عن الطريق ) شرح صحيح مسلم.

 

الرابع عشر: التحلي بالصبر والأخلاق الحميدة أثناء السفر وغيره:

إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى *** كأنك مملوك لكل رفيـــق

وكن مثل طعم الماء عذب وبارد    *** على الكبد الحرى لكل صديق

                                (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/242 )

يُروى عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: ( سافروا مع ذوي الجدود وذوي الميسرة لأن السفر يظهر خبايا الطبائع وكوامن الأخلاق وخفايا السجايا إذ الأبدان إذا تعبت ضعفت القوة المختلفة في القلة والكثرة لكون الطبائع تبعثها وتبين مقاديرها وزيادة بعضها ونقصان بعض فتظهر محاسن الأخلاق ومساوئها لأنها تميز الطبائع من القوة والقوى من الأحوال والسفر يأتي على مختلف الأهوية والأغذية فمن سافر مع أهل الجد والاحتشام يكلف رعاية الأدب وتحمل الأذى وموافقتهم بما يخالف طبعه فيكون ذلك تأديبا له ورياضة لنفسه فيتهذب لذلك ويهتدي إلى تجنب مساوىء الأخلاق واكتساب محاسنها وأما من سافر مع من دونه فكل من معه يحمل نفسه على موافقته ويتحمل المكاره لطاعته فتحسن أخلاقهم وربما يسوء خلقه فإن حسن الخلق في تحمل المكاره ) فيض القدير 4/82

قال أنس رضي الله عنه: ( خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني وكان جرير أكبر من أنس ) رواه البخاري(2822)ومسلم(6380) وقال مجاهد: ( صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني )رواه ابن أبي عاصم في الجهاد(210)وابن عساكر 60/15.

الخامس عشر: الرجوع إلى الأهل بعد قضاء الحاجة:

 عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ من الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فإذا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إلى أَهْلِهِ ) رواه البخاري (2839) ومسلم (1927) وقد سبق قريبا بيان معناه .

السادس عشر: أن يأتي بالدعاء المأثور قبل دخول القرية أو المدينة:

 وهو ما جاء في حديث صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها ( اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة /367 وصححه ابن حبان (2709) وابن خزيمة (2565) والحاكم 1/614 وحسنه الحافظ ابن حجر كما ذكره ابن علان في الفتوحات 5/174

السابع عشر: أن يبدأ بالمسجد إذا رجع:

 لحديث كَعْبَ بن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لم يَتَخَلَّفْ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غير غَزْوَتَيْنِ غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ وَغَزْوَةِ بَدْرٍ قال: فَأَجْمَعْتُ صدق رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى وكان قَلَّمَا يَقْدَمُ من سَفَرٍ سَافَرَهُ إلا ضُحًى وكان يَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ . رواه البخاري ( 4400) ولحديث جَابِرَ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه قال: اشْتَرَى مِنِّي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيرًا فلما قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. رواه البخاري ( 2923) ومسلم (715) وهذه سنة من السنن المهجورة إذ قلَّ مَن يفعلها هذا الزمان فكأن هذه الصلاة شكر لله تعالى على سلامة الوصول وأن يبدأ إقامته بالصلاة التي هي صلة بين العبد وربه وهذه السنة والله تعالى أعلم خاصة بالرجال أما المرأة فإن صلت ركعتين في بيتها فلا بأس.

الثامن عشر: أن لا يطرق أهله ليلا:

 عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وكان يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أو عَشِيَّةً . رواه مسلم ( 1928) قال أهل اللغة : الطُروق بالضم المجيء بالليل من سفر أو من غيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار. ( فتح الباري 9/340 شرح مسلم للنووي 13/71) وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من هذا النهي في حديث جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه قال: كنا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ فلما قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فقال ( أَمْهِلُوا حتى نَدْخُلَ لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ ). رواه مسلم ( 715) ومن الحكم كذلك ما جاء في رواية أخرى عن جَابِرٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أو يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ . رواه مسلم (715) وفي هذا العصر توفرت وسائل الاتصال فعلى المسافر أن يخبر أهله بمجيئه قبل وصوله بوقت كاف وهذا خاص بالزوج والله تعالى أعلم.

 وأخيراً ينبغي الحرص على صلاح النية وأن ينوي بسفره القُرَب والطاعات ، فإن مما يؤجر عليه المسلم النية الصالحة في سفره كأن يشد الرحل إلى المساجد الثلاثة طلباً للأجر في الصلاة فيها وهي المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة، والمسجد الأقصى بالقدس - فك الله أسره وحرره من براثن يهود -، وكذلك أن ينوي بهذا السفر أن ينشط نفسه ويبعد عنها الملل حتى تعود للعمل الصالح والعلم والدعوة بهمة عالية فإن المباحات إذا نوي بها التَّقوِّي على العبادات انقلبت هذه المباحات والعادات إلى عبادات يؤجر عليها المسلم .
 وإن من الأمور التي ينبغي مراعاتها :الحذر من النية السيئة كالنية لفعل المعصية أو مقارفة المنكر ، فالله أعلم بما توسوس به النفوس ويعلم خائنة الأعين وما تخفيه الصدور.

 وكذلك ينبغي الحرص على اتباع السنة في السفر ومعرفة هديه صلى الله عليه وسلم  في السفر والاقتداء به.

 ولعل فيما سبق ذكره جملة طيبة مما جاء في السنة. أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يحفظ المسافرين ويردهم سالمين غانمين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

 



بحث عن بحث