أولاً: الغضب (1-2)

الغضب: هو غليان دم القلب لطلب الانتقام.

وعند الغضب تتغير حالة الإنسان وتظهر آثار متعددة عليه، مثل تسرع ضربات القلب وانتفاخ الأوداج واحمرار العين واتساعها، وارتعاد الأطراف وتعلجم اللسان وتداخل الكلمات، وفقدان السيطرة على الجوارح أحيانًا، وغيرها من الأمور التي تدل بشكل مباشر أو غير مباشر على حدوث انفعال داخلي عند الإنسان أثناء الغضب.

يقول عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء فليلصق بالأرض«(1).

وينشأ الغضب في النفس بفعل الشيطان ووسوته للإنسان، لأنه قريب منه ويجري من ابن مجرى الدم، كما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم«(2).

وأما التفاعلات الكيميائية التي تحدث عند الغضب من ازدياد نسبة «الأدرينالين» التي تفرزها الغدة الكظرية في الدم، والتي تؤدي إلى زيادة نبضات القلب، ما ذلك إلا أثر من آثار الغضب الذي ينشئه الشيطان في نفس الإنسان من خلال الوسوسة إليه عند أي حدث أو موقف مزعج، ليقوم بأعمال غير مألوفة ومخالفة لحالته الطبيعية.

ويؤيد هذه الحقيقة أحاديث أخرى مثل قوله ﷺ: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ«(3).

ولعل التفسير الخاطئ عند بعض المختصين لحالة الغضب، أو الرؤية المادية التي يبنون عليها مثل هذه الانفعالات هي السبب في الوصول إلى نتائج غير مرضية في عملية العلاج، لا سيما أنهم يركّزون على تناول الأدوية والمهدئات، الأمر الذي يزيد في كثير من الأحيان من المرض وتفاقم آثاره على المريض، فالتشخيص الصحيح هو مقدمة لنجاح العلاج وتحقيق الشفاء.

أضرار الغضب:

يقول أبو العتاهية:

ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم *** عـدو العقـل أعـدى مـن الغضـب

من شدة ما له من آثار سيئة ونتائج وخيمة على نفس الإنسان وأسرته ومجتمعه، ومن أهم هذه الأضرار والنتائج:

1- الغضب يولد العداوة والبغضاء بين الناس، لأن الغاضب عند الانفعال لا يتحكم في أقواله وأفعاله التي تخرج غالبًا عن الآداب العامة، فيثير الطرف الآخر ويقابله بالمثل، مما يؤدي في النهاية إلى حقد دائم ونزاع مستمر بين الناس، فضلاً عن قطع الأرحام الذي يفكك الأسر ويمزقها. بالإضافة إلى كثرة حالات الطلاق وتشتت الأولاد بعدها وضياعهم.

2- يتسبب الغضب في حدوث الجلطات والذبحات الصدرية، والإصابة بمرض السكر، واضطرابات في عمل  الكلى، والقولون العصبي وغيرها من الأمراض التي ترهق الإنسان لفترات طويلة من عمره.

3- يحدث الغضب في النفس القلق والتوتر بصورة مستمرة في حالة اليقظة، أما في حالة النوم فتكثر عليه الكوابيس والأحلام المزعجة التي تؤدي إلى الأرق والتعب النفسي.

4- عدم القدرة على إنجاز الأعمال لعدم القدرة على التركيز، والشعور بالتعب بسرعة، وكذا الشعور بالملل دائمًا.

5- عدم إدراك الأشياء على حقيقتها، فتختلط معه الحقيقة بالخيال، والواقع بالأحلام، فربما يتخيل شيئًا ويظنه حقيقة يسعى إليها.

6- قصور في التفكير الصحيح، فالغاضب قد ينصاع لأتفه فكرة، أو يقتنع بأسوأ عقيدة.

7- انشغال الفكر بأشياء تافهة أو غير مهمة والبعد عن الأشياء المهمة فينشغل مثلاً بأن فلان عمل معي كذا وكذا، وفلان وقف مني كذا.. وكلها أوهام لا حقيقة لها.

8- يرتب الغضبان على الأشياء التافهة مواقف ضخمة قد تؤدي به إلى نتائج خطيرة فيصوّر له الشيطان أن هذه الصغائر كبائر فيتعامل معها كذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه الترمذي (ص504، رقم 2191) كتاب الفتن، باب ما جاء في خبر النبي ﷺ. وأحمد (3/19، رقم 11195). والحاكم (4/551، رقم 8543). والحديث حسَّنه الذهبي في تعليقه على المستدرك.

(2) أخرجه البخاري (ص327، رقم 2038) كتاب الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في الاعتكاف.

(3) أخرجه أبوداود (ص678، رقم4784) كتاب الأدب، باب ما يقال عند الغضب. وأحمد (4/226، رقم1814). والحديث ضعيف لكن معناه صحيح



بحث عن بحث