أنواع الصبر

ثانيًا: الصبر عن المعاصي:

كما أن الصبر مطلوب على طاعة الله تعالى وأداء فرائضه والقيام بواجب الدعوة وما تحمله من متاعب ومصاعب، فإن الصبر مطلوب بالمقابل عن معاصي الله تعالى ونواهيه، وهذا النوع من الصبر هو مقاومة النفس عن اتباع الشهوات والملذات التي حرم الله تعالى على عباده الاقتراب منها وتناولها، لحِكم هو يعلمها جلّ وعلا، وللأضرار التي تنجم عن المعاصي والمنهيات، سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي.

ويجب أن يكون امتناع المؤمن عن المعاصي نابعًا من إيمانه بهذا الدين وأنه تنفيذ لأمر الله تعالى وهدي رسوله ﷺ، وهو المنطلق الذي حرّك في الصحابة ترك المنكرات التي كانوا عليها في الجاهلية، وقد حفلت سيرتهم العطرة بصور رائعة جسّدت معنى الصبر عن المعاصي في صورة عملية فريدة، فهاهم يتركون شرب الخمور ويكسرون دنانها في الأزقة والطرقات بعد نزول آية تحريمها فورًا، وقد كانت هذه الخمر من قبل صديقة سمراتهم وأفراحهم، ولكنهم لم يلقوا لذلك كله بالاً أمام أمر الله تعالى بالاجتناب والترك، وحياة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مليئة بأنواع الصبر عن المعاصي وتركها.

وقد التزم بالصبر عن معاصي الله تعالى ونواهيه أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، الذين يعدّون القدوة للمؤمنين إلى يوم القيامة، فهذا نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يتعرض لأكبر إغراء من امرأة وزير الدولة وقد تزينت بأصناف الحلي والزينة، وتطلب منه الفاحشة رغم توفر أسبابها من الخلوة وغلق الأبواب وغيرها، ولكنه عليه السلام يصبر على هذا الإغراء والوقوع في المحظور، وتحمّل غربة السجن سنين طويلة من أجل ذلك، إلى أن أكرمه الله تعالى بالنبوة وجعله ملكًا على خزائن مصر.

وهذا هو نبينا محمد ﷺ تعرض له الدنيا مالاً وجاهًا ونساء، لكنه عليه الصلاة والسلام لم يركن إلى شيء منها، بل إنه عليه الصلاة والسلام استصغرها أمام مهمة الرسالة والدعوة إلى الله، وعبّر عن ذلك لعمه أبي طالب بقوله: «يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته«(1).

وفي ذلك دروس وعبر لشباب الأمة في مواجهة التحديات المختلفة التي تلاحقهم من كل جانب للنيل من عقيدتهم وقيمهم وأخلاقهم، سواء كانت بوساطة موجات التشويش الفكرية، أو ما تبثه الفضائيات من المجون والسفور والعروض المثيرة التي تخدش الحياء والآداب، وكلها مداخل شيطانية تدغدغ النفس وتحركها للوقوع فيها، ولكن المؤمن الصادق مع الله تعالى، يصبر على ذلك كله ويتذكر قول رسول الله ﷺ: «يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر«(2).

وقوله عليه الصلاة والسلام: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات«(3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السيرة النبوية لابن هشام، 1/299.

(2) أخرجه الترمذي (ص519-520، رقم 2260) كتاب الفتن، باب الصابر على الدينه في الفتن كالقابض على الجمر. وأحمد (2/390، رقم 9061). وهو حديث صحيح.

(3) أخرجه مسلم (ص1228، رقم 2822) كتاب الجنة ونعيمها، باب صفة الجنة.



بحث عن بحث