تمهيد

قبل التعرف على منهج الإسلام في التعامل مع الأمراض النفسية لابد من معرفة أن الهدف الذي يسعى إليه الإسلام باعتباره عقيدة وشريعة للإنسانية هو تحقيق العدالة والسعادة للناس في الأرض، والفوز بالنعيم المقيم في الآخرة، وأن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا بشرط ذكره الله تعالى في مواطن كثيرة في كتابه، يتعلق بعقيدته وعمله وحركته في الحياة الدنيا، وهو شرط ذو شقين، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، فلا يحصل أحدهما من غير توافر الآخر، يقول الله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1) وفي المقابل فإنه في حال عدم توافر الشرط وحصوله من الإنسان فإن هذا الهدف أو الغاية تنقلب على الإنسان بصورة عكسية، بمعنى أن السعادة المرتقبة تتحول إلى شقاء وتعب وعذاب، وكذلك لن ينال النعيم المنتظر في الآخرة؛ بل سينال من عذاب الله وعقابه حسب عمله في الحياة الدنيا، وهو ما عبّر عنه تبارك وتعالى بقوله: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(2)

والعاقل من سخّر ما أتاه الله تعالى من قوة وعلم ووقت ومال وصحة في عبادة الله وامتثال تشريعه في الأمر والنهي، من غير كسل ولا عجز ولا تماطل ولا تسويف، والخاسر من فرّط في هذه النعم واستهان بها وسخّرها في المحرمات وفي سفاسف الأمور، فإنه يخسر السعادة في الدنيا والآخرة، يقول عليه الصلاة والسلام: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني»(3)
-----------------
(1) النحل [97].
(2)طه [114].
(3) أخرجه الترمذي (ص560، رقم 3459) أبواب صفة القيامة. وأحمد (4/124، رقم 17164). والطبراني في الكبير (6/ 439، رقم 6997). قال الترمذي: هذا حديث حسن.



بحث عن بحث