شبهة حول التسمية والرد عليها (1-2)

 

 من نافلة القول أن نقرر: أن كلمتي (السنة) و (الحديث) عربيتين ، حيث أنكر هذه البديهية من أعداء الإسلام جولد تسيهر حين زعم تارة بأن كلمة (السنة) مأخوذة من العبرية (مشناة)، فقال: (حتى في الإسلام ، أخذت هذه الفكرة مكاناً أيضاً، أعنى اتخاذ قانون مقدس وراء القرآن أو مسموعاً كما هو الحال عند اليهود)(1).

 وقال تارة ثانية: إنها مصطلح وثنى في أصله، وإنما تبناه واقتبسه الإسلام، وتابعه على ذلك من جلدته شاخت ومارغوليوث ، كما نقله عنهم الدكتور/ محمد الأعظمي في كتابه (دراسات في الحديث النبوي)(2).

 وتابع المستشرقين على ذلك قاسم أحمد حيث قال: (وما ينبغي أن يفطن إليه المسلمون هو التشابه الكبير جداً بين هذا الرأي ورأي اليهود القديم عن الوحي المكتوب والشفوي، فالتلمود اليهودي الذي يشمل المشناة والجمارة، وهما يشبهان الحديث والسنة الإسلامية. وهما عبارة عن مجموعة تعاليم شفوية لحاخامات وكبار علماء اليهود أساسها تفسيرهم وشرحهم لكتابهم المقدس على مدى طويل على لسان العالم اليهودي يهوذا جولدن(3).

 كما زعم المستشرق الفريد غيوم في كتابه (الحديث في الإسلام): أن كلمة (حديث) مشتقة من الكلمة العبرية عند اليهود (هداش)، والتي تعني الجديد، أو الأخبار، أو القصص(4).

 ومرد هذه الشبهة يهدف إلى نفي أن تكون الكلمتان عربيتين.

 وقد رد هذه الشبهة الباطلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) ونفي أن تكون كلمة السنة مأخوذة من العبرية(5).

 كما رد الدكتور/ محمد الأعظمي في كتابه (دراسات في الحديث النبوي) الزعم الباطل لجولد تسهير ؛ أنها مصطلح وثني في أصله ، وإنما تبناه واقتبسه الإسلام(6).

 وذكر هذه الشبهة وردها الدكتور/ رءوف شلبي في كتابه (السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين) فقال: بحكم طبيعة الحياة فإن الخير لا يسلم من الشر، وإن العدل لا يسلم من الجور، ولقد قيض الشيطان عناصر تفتري على الإسلام وعلى مصادره، فقد زعم بعض الباحثين أن التعبير بكلمة سنة أخذه المسلمون من الكلمة العبرية (مشناة)، التي تطلق في الاصطلاح اليهودي على مجموعة الروايات الإسرائيلية التي تعتبر في نظرهم مرجعاً أساسياً في التعرف على أحكام التوراة ، كما تعتبر شرحاً وتفسيراً لها، ثم عربها المسلمون إلى كلمة (سنة)، ويدعى اليهود أن المسلمين أطلقوها – بعد التعريب – علماً على مجموعة الروايات النبوية في مقابل استعمالهم لكلمة (مشناة) علماً على مجموعة الروايات الإسرائيلية.

والجواب:

 يقول فضيلة الأستاذ الدكتور/ رءوف شلبي: اعتراض اليهود ومن تابعهم على كلمة (سنة) و(حديث) ملخص في نقطتين:

1- أن المسلمين عربوهما من كلمة (منشاة) و (هداش).

2- أن المسلمين أطلقوهما علماً على مجموعة الروايات النبوية في مقابل ما صنعه اليهود من إطلاقهم كلمة (مشناة) على مجموعة الروايات الإسرائيلية التي تشرح لهم التوراة ، وتعتبر المصدر الأساسي في التعرف على الأحكام.

 ورداً على النقطة الأولى: فإن العقل الباحث الأمين لا يتقبل ادعاء اليهود ومن صار على دربهم، أن العرب الأوائل المسلمين قد عربوا (مشنأة) إلى (سنة) أو عربوا (هداش) إلى (حديث).

أولاً: لعدم المشابهة في الحروف والبنية.

ثانيا: لأن الكلمتين ورد استعمالهما في الشعر الجاهلي قبل الإسلام، كما استعملهما ربنا - عز وجل- في كتابه العزيز، واستعملهما نبينا - صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف، على نحو ما ذكرناه سالفاً في تعريف السنة والحديث لغة. وذلك مما لا يترك مجالاً لفرضية بحث تعريب كلمة (سنة)من (مشناة) أو (حديث) من (هداش).

 وإذًا فالكلمتين لم يعربهما المسلمون من كلمتي (مشناة،وهداش) ، وإنما أخذوهما من صميم لغتهم ، وصريح كتابهم الكريم ، وصريح حديث نبيهم - صلى الله عليه وسلم- (7).

 ويقول الدكتور/ الأعظمى رداً على ادعاء وثنية المصطلح: ولذا فإن ما قاله جولد تسيهر بأن السنة مصطلح وثني استخدمه الإسلام، ادعاء لا يستند إلى دليل ،ومعارض للأدلة الملموسة ، ثم إن استعمال الجاهليين أو الوثنيين من العرب(لكلمة ما) في مفهومها اللغوي لا يلبسها ثوباً معيناً، ولا يحيلها إلى مصطلح وثني، خصوصًا إذا لاحظنا استعمالاتهم المختلفة لهذه الكلمة، وإلا أصبحت اللغة العربية بكاملها مصطلحاً وثنياً، وهذا لا يقول به عاقل(8).

 ونفس هذا الكلام يقال رداً على ما زعمه الفريد غيوم من أن كلمة (حديث) مشتقة من الكلمة العبرية (هداش).

 ورداً على النقطة الثانية: يقول ابن قيم الجوزية(9) في إغاثة اللهفان: إن كلمة مشناة إنما تعني الكتاب الذي ألفه علماء اليهود في زمن دولة البابليين والفرس، ودولة اليونان والروم ، وهو الكتاب الأصغر ، ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة.

 أما التلمود: فهو الكتاب الأكبر الذي ألفه علماء اليهود مع مشناة ، ومبلغ حجمه نحو نصف حمل بغل لكبره، ولم يكن الفقهاء الذين ألفوه في عصر واحد، وإنما ألفوه جيلاً بعد جيل، فلما نظر المتأخرون منهم إلى هذا التأليف، وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيه ، وأن في الزيادات المتأخرة ما يناقض أوائل هذا التأليف، علموا أنهم إن لم يقطعوا ذلك ويمنعوا من الزيادة فيه ، أدى إلى الخلل الذي لا يمكن سده ، قطعوا الزيادة فيه ، ومنعوا منها ، وحظروا على الفقهاء الزيادة فيه ، وإضافة شيء آخر إليه ، وحرموا من أن يضاف إليه شيء آخر فوقف على ذلك المقدار(10).

 وإذًا فالمشناة والتلمود من تأليف فقهاء اليهود إرضاءً لأهوائهم ، وقد نسبوها إلى التوراة وإلى سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام –، وليس الأمر كذلك في الحديث النبوي والسنة المطهرة؛ فهي مرويات نبوية موحى بها من قبل رب العزة، ولا مدخل لأحد من علماء الإسلام في شيء منها إلا بحفظها، ورعايتها، وتنفيذها، وصاحب السنة المطهرة - صلى الله عليه وسلم- هو الذي أطلق وسمى كل ما ورد عنه من قول، أو فعل، أو تقرير، أو... الخ. بأنه من حديثه الشريف، وسنته المطهرة.

 فهو القائل - صلى الله عليه وسلم-(قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم-)(11).

 وبهذا كله يتضح لنا أن الكلمتين (سنة) و(حديث):

1- عربيتان أصيلتان.

2- وأن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد استعملاهما.

3- وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- هو الذي سمى الحديث والسنة، ووضعهما علماً على كل ما ورد عنه من قول، أو فعل، أو تقرير،... إلخ ، كما سبق وأن ذكرت.

 وبذلك ينمحي من الإمكان فرض أن المسلمين عربوا كلمة (سنة) من كلمة (مشناة)، أو (من هداش)، أو فرض أنها مصطلح وثني، وأنه فرق كبير بين ثريا المحجة البيضاء في الإسلام ، وبين ثرى المحرفين الذين لعنوا على لسان أنبيائهم داود، وعيسى بن مريم، جزاءً بما كانوا يصنعون(12).أ. هـ.

 


(1) العقيدة والشريعة في الإسلام ص 49.

(2) دراسات في الحديث النبوي 1/ 5،6.

(3) إعادة تقييم الحديث ص 78، 79.

(4) نقلا عن منهجية جمع السنة للدكتورة عزية على طه ص 62.

(5) الإسلام عقيدة وشريعة ص 492، 493.

(6) دراسات في الحديث النبوي 1/5 -11.

(7) السنة النبوية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين ص 32 وما بعدها بتصرف.

(8) دراسات في الحديث النبوي 1/7.

(9) ابن قيم الجوزية: هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي ، أبو عبد الله ، الفقيه الحنبلي الأصولي المحدث النحوي الأديب الواعظ الخطيب ، له مصنفات عديدة أشهرها: أعلام الموقعين عن رب العالمين ، وزاد المعاد في هدي خير العباد ،وغير ذلك ، مات سنة 751هـ. له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 234، والدرر الكامنة لابن حجر 3/400-403 رقم 1067، وشذرات الذهب 6/168، وطبقات المفسرين للداودي 2/93 -97 ، رقم 456، والوافي بالوفيات 2/270.

(10) إغاثة اللهفان 2/323، 324.

(11) أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب العلم ، باب خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع 1/ 171، 172رقم 318من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – وقال في إسناده عكرمة واحتج به البخاري ، وابن أبي أويس واحتج به مسلم ، وسائر رواته متفق عليهم، ثم قال وله شاهد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – وأخرجه في الموضع السابق، ووافقه الذهبي وقال وله أصل في الصحيح أهـ.

(12) السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين للدكتور/ رءوف شلبي ص 32: 36 بتصرف ، والسنة في كتابات أعداء الإسلام (1/ 50-53).



بحث عن بحث