ومما يدخل في ما يجب معرفته هنا:

أ-معرفة مناهج الأئمة في التصحيح والتضعيف، ومعرفة اصطلاحاتهم وألفاظهم، فاصطلاحات الجيل الأول في نشأة الكلام عن الرجال والأحاديث أكثر مرونة وسعة منها عند استقرار الاصطلاح وهذا علم دقيق مهم وقع في مخالفته كثير من طلاب العلم بالحديث.

ب ـ هناك ألفاظ ومصطلحات استعملها الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث ومن ذلك: (مقبول) و(جيد) و(يحتج به) ونحوها وهي في الجملة تدور بين الحسن لغيره، والصحيح لغيره، أو يذكرها الإمام للتردد فيها.

ولذلك تدخل دائرة المقبول من الأحاديث التي يحتج بها ويستشهد بها.

ج - وهنا مسألة في غاية الأهمية والدقة ـ ولذا جعلتها قاعدة ـ وهي: أنه قد يكون الإسناد ظاهره الصحة لكن فيه علة تقدح فيه، بل قد يكون المتن ظاهره الصحة، ولكن فيه علة تقدح فيه، وهذا قد يندرج في القاعدة السابقة إلا أني هنا جعلته مدخلًا لمسألة أدق، وهي قد يصح الحديث ولكن يلزم التأكد من صحته للاستدلال على المسألة المذكورة، وهذه مسألة دقيقة ـ كما سبق ـ لأنه قد:

1 ـ لا يصح الحديث باختلال أحد شروط الصحيح.

2 ـ أو يكون من الأحاديث التي ترك العمل بها، وقد عالج الإمام ابن رجب : هذه المسألة وحصر جملة من الأحاديث ترك العمل بها مع أن ظاهرها الصحة في كتابه القيم شرح علل الحديث للترمذي.

3 ـ لا يكون مطابقًا للمسألة إذ له روايات أخرى تحمل تقييدًا، أو نسخًا، أو تخصيصًا، أو شرطًا، أو زيادة تقدح فيه.

4 ـ يكون مما يحتاج إلى تأمل في المتن لما يعارض من قطعيات القرآن الكريم أو السنة النبوية، وهذه مسألة عالجها الإمام ابن القيم : في كتابه القيم: (المنار المنيف في معرفة الحديث الصحيح من الضعيف) وضمنها قواعد منهجية لطالب الحديث.

هذه الفرضيات ـ ونحوها ـ يلزم معرفتها الأخذ به للمستشهد بالحديث قبل القطع بالأخذ به.

وإغفالها أوقع كثيرين من طلبة العلم المبتدئين في شواذ المسائل، وعدم وضوح الحكم فيها على الحديث.

والخلاصة: أن طالب العلم يلزمه إدراك قواعد التصحيح والتضعيف حتى لا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم تصح نسبته إليه. فيقع في المحذور الشديد الذي نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» وفي رواية: «من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار».

الرابعة: الموقف من الحديث غير الصحيح والحسن:

ـ الحديث غير الصحيح والحسن إما أن يكون حديثًا موضوعًا مكذوبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون فيه مُتَّهم بالكذب أو فيه نكارة في إسناده        أو متنه وهو ما يطلق عليه بـ(شديد الضعف) أو (ضعيف جدًّا).

وهذان لم يختلف العلماء في أمرهما وهو أنه لا يجوز العمل بهما، ولا يقويان غيرهما، ولا يقويا بغيرهما. بل لا تجوز روايتهما إلا مع بيان حالهما.

قال الصنعاني: (وحكم الموضوع أنه لا يجوز لمن عرفه) أي عرف أنه موضوع (أن يرويه من غير بيان لوضعه سواء أكان في الحلال أو الحرام أو الترغيب أو الترهيب أو غير ذلك) يدل لذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث سمرة بن جندب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين» انتهى. يُرى بضم الياء أي يظن، وفي الكذابين روايتان بصيغة التثنية أو بصيغة الجمع، وكفى بهذا الحديث في حق من روى حديثًا يظن أنه كذب، فضلًا أنه يروي ما يعلم كذبه ولا يبينه لأنه صلى الله عليه وسلم جعل المحدث بذلك مشاركًا للكاذب في وصفه.

2 ـ وإما أن يكون اختل فيه شرط من شروط الحسن أو أكثر لكن لا يبلغ درجة الاتهام أو الوضع، وهذا ما نفصل القول فيه على النحو الآتي:

ـ منشأ الضعف: أن الضعيف درجات متفاوتة، ومنها ما يكون سببه انقطاع في الإسناد، أو ضعف من جهة الراوي في عدالته أو ضبطه، ويندرج تحت هذين المنشأين أنواع كثيرة.

ـ درجته: الأصل أنه إذا اختل شرط من شروط الحسن فهو ضعيف، لكنه يقوى إذا تعددت طرقه، فجاء الحديث من أكثر من طريق فيرتقي إلى درجة «الحسن لغيره» وحينئذ يحتج به.

قال النووي: (الحديث عند تعدد الطرق يرتقي عن الضعف إلى الحسن، ويصير مقبولًا معمولًا به) قال السخاوي: (ولا يقضي ذلك الاحتجاج بالتضعيف، فإن الاحتجاج إنما هو بالهيئة المجموعة، كالمرسل حيث اعتضد بمرسل آخر ولو ضعيفًا كما قاله الشافعي والجمهور).



بحث عن بحث