الموضوع السادس عشر:

من حقوق الجار في الإسلام

عن عائشة رضي الله عنها   عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «مَا زَالَ جبريلُ يُوصيني بالجارِ حتَّى ظنَنْتُ أنَّهُ سيُورِّثُهُ».

وعن أبي شريح رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «وَالله لَا يُؤْمِنُ وَالله لَا يُؤْمِنُ وَالله لَا يُؤْمِنُ قِيْلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ الله قَالَ الَّذِي لَا يأْمَنُ جارُهُ بوائقهُ».

©  أهمية الحديثين:

هذان الحديثان في موضوع مهم ألا وهو علاقة الجار بجاره، ولأهميتها، وعظم شأنها وما يترتب عليها من آثار سلبًا وإيجابًا أكد الإسلام على حقوق الجار، وحذر من مخالفتها.

©  توجيهات الحديثين:

1-   أكد الإسلام على حقوق المسلم بعامة: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]. ولكن هناك نوع من الناس له صفة مخصوصة خصه الشارع الحكيم بمزيد من حقوق، ورعاية وعناية، ذلكم هم الجيران.

والجار هو: من قرب داره من دارك، حدّه بعض أهل العلم بأربعين بيتًا، وحدّه آخرون بالعرف فما كان جارًا في عرف الناس انطبق عليه الوصف.

2-   يشير الحديث أن للجار حقًّا خاصًّا، كما أن له ميزة خاصة، فالصلة بالجوار من أقوى الروابط، والإحسان إليه من أفضل أنواع الإحسان، ورعايته من أتم أبواب الرعاية. ولقد جاءت الوصية بذلك في كتاب الله تعالى، قال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 36].

ولعظم حق الجار جعله الرسول صلى الله عليه وسلم  كالقريب الذي يرث لولا أنه لا يستحق الإرث كما في حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم .

من حقوق الجار:

أ – الكف عن أذيته بالقول والفعل، وعدم الإساءة إليه بأي نوع من أنواع الإساءة قولية كانت أو فعلية، فالرسول صلى الله عليه وسلم  نفى الإيمان ممن كانت هذه فعاله كما دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

ومن الأذية: الأذية بالكلمات غير اللائقة، والإزعاج برفع الأصوات، أو أصوات المذياع والتلفاز، وتزداد الأذية إذا كانت هذه الأصوات منكرة، والاطلاع على عورات الجار، والوقوف أو إيقاف السيارة باستمرار أمام باب بيته، ووضع القمامة عند بابه.

ومن أسوأ الأذية التعدي على محارم الجار والتعرض لهن بنظرة شيطانية أو إغواء شهواني فذلك يؤدي لارتكاب أكبر الكبائر.

أ – الإكرام والإحسان إلى الجار بكل ما يستطيع من صور الإحسان، كأن يعينه إذا استعان به، ويعوده إذا مرض، ويهنئه إذا فرح، ويساعده إذا احتاج، ويقرضه إذا طلب الإقراض، ويعزيه إذا أصيب، ويبدؤه بالسلام، ويلين له الكلام، يرعى جانبه، ويحمي حماه، ويصفح عنه زلاته، فينصحه ويرشده، قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» وفي رواية: «فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ».

ب- ومن حقوقه – وقد يدخل فيما سبق – إسداء المعروف والخير له، والصدقة عليه، وإهداؤه من طعامه وشرابه، والشفاعة له بالحسنى، روى البخاري رحمه الله  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «يَا نِسَاءَ الْـمُسْلِمَاتِ لا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِـجَارتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شاةٍ»، وقال عليه الصلاة والسلام: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ».

3-   مما يشار إليه هنا أنه كلما قرب الجار مكانًا أو نسبًا أو دينًا زاد حقه وارتفع، روى البخاري رحمه الله  عن عائشة ك أنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم : إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إِلَى أقربهما مِنْكِ بَابًا».

4-   إذا ابتلي الإنسان بجار سوء، تصل منه أذية قولية أو فعلية، فينبغي للجار أن يصبر على أذى جاره، وأن لا يرد الأذية بأخرى، وأن ينصحه ويرشده ويبصره بأذيته، فإن في الصبر على ذلك أجرًا عظيمًا، وطريقًا إلى تخليصه من أذيته.



بحث عن بحث