الوقفة الثانية

الحج فضائله وآثاره

لقد أفاض القرآن والسنة في فضل الحج فجاءت النصوص الكثرة المبينة لتلك الفضائل والآثار ومنها:

1 ـــ الحج يهدم ما قبله:

عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:  فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ابسط يمينكفلأبايعك ، فبسط يمينه . قال : فقبضت يدي .قال : مَالَـكَ يا عمرو؟قالقلت: أردت أن أشترط .قال : تشترط بماذا؟قلت : أن يغفر لي .قال : أماعلمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله.

2 ـــ الحاج يكون بعد حجه كيوم ولدته أمه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه» .

3 ـــ الحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد:

عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال رضي الله عنه ئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟أو أي الأعمال خير؟ قال: «إيمان بالله ورسوله».  قيل: ثم أي شيء؟ قال: «الجهاد رضي الله عنه نام العمل» قيل: ثمأي شيء يا رسول الله؟ قال: «حج مبرور».

4 ـــ الحج أفضل الجهاد في حق النساء:

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد ؟ قال: «لَكُنَّ أفضل الجهاد، حج مبرور».

5 ـــ الحج المبرور جزاؤه الجنة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».

6 ـــ  ومن فضائل الحج أن الحجاج والعمار وفد الله:

عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم».

7 ـــ إن الله تعالى يباهي الملائكة بالحجاج يوم عرفة:

قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة: وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء».

8 ـــ  في الحج ترويض لامتثال لأوامر الله واستجابة لندائه:

الحج امتثال لأوامر الله واستجابة لتعاليمه تتجلى فيه الطاعة الخالصة في أعمال الحج، ففي أداء الحج هناك نوع من المشقة من ترك الوطن والأهل والولد وترك المألوف، ولكن الحاج يتحمله امتثالًا لأمر الله تعالى، كما أنه يمارس بعض العبادات لا يأتي بها إلا في الحج ولمن يألفها من قبل، ولكن يأتي بها استجابة لأمر الله رضي الله عنه بحانه.

9 ـــ في الحج تلبية لدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام:

لقد أمر الله أبانا إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج وكتب الله لمن شاء من عباده أن يلبوا هذا النداء رجالًا وركبانًا، قد قال تعالى: âوَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ á [الحج 27]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: أي ناد في الناس داعيًا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه فذكر أنه قال يا رب كيف أبلغ صوتي  لا ينفذهم فقال ناد وعلينا البلاغ فقام على مقامه وقيل على الحجر وقيل على الصفا وقيل على أبي قبيس وقال يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتًا فحجوه فيقال أن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وأسمع من في الأرحام والأصلاب وأجابه كل شيء رضي الله عنه معه من حجر ومدر وشجر ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم.

10 ـــ  في الحج ارتباط بمهبط الوحي:

الحج رحلة إلى الديار المقدسة مهبط الوحي، وكلما ارتبط المسلم بهذه البقاع الطاهرة كان أقرب إلى الاقتداء بالرعيل الأول، الذين جاهدوا في رضي الله عنه بيل الله وبلغوا شرعه إلى أنحاء المعمورة، وهذا الأثر معلوم لدى الحجاج الذين يأتون من ديار بعيدة فيحسبون بأثر هذا الارتباط فيقوى إيمانهم بهذا الوحي المطهر.

11 ـــ في الحج إعلان عملي لمبدأ المساواة بين الناس:

تتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في جميع مراحل الحج، في الطواف حول البيت الحرام، والسعي بين الصفا والمروة والوقوف في منى وعرفات ومزدلفة، فلا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقوى، ويقول تعالى: âسَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِيá [الحج: 25]، وجاء عند الإمام أحمد في مسنده عن أبي نضرة، حدثني من رضي الله عنه مع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال: «يا أيها الناس إلا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلّغت؟» قالوا: بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «أي يوم هذا؟» قالوا: يوم حرام ثم قال: «أي شهر هذا؟» قالوا: شهر حرام، قال: ثم قال: «أي بلد هذا؟» قالوا: بلد حرام، قال: «فإن الله قد حرَّم بينكم دمائكم وأموالكم، ولا أدري قال: أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، أبلّغت». قالوا: بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليبلغ الشاهد الغائب».

12 ـــ في الحج تذكير بالموت وبيوم المحشر:

إن الحاج حين يتجرد عن لباسه ويلبس الإحرام، يتذكر ما يتعامل به الناس بعد موته من تجريده من لباسه المعتاد وتكفينه بثياب بيض، وفي صعيد عرفات يجتمع مئات الآلاف من الحجاج في مكان واحد وفي زي واحد ولا هم لهم إلا هم واحد وهو أن يغفر الله لهم، فهنا تجول بالخاطر مواقف رضي الله عنه يتعرض لها المسلم بعد وفاته وفي عرصات يوم القيامة فيدعوه ذلك للاستعداد وأخذ الزاد قبل لقاء الله.

13 ـــ  في الحج تعويد على الابتعاد عن الذنوب والمعاصي:

قال تعالى:âالْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ á [البقرة: 197]، قال العلامة ابن رضي الله عنه عدي رحمه الله في تفسير الآية: وقوله: «âفَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ á» أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج، وخصوصًا الواقع في أشهره، وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث وهو: الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصًا عند النساء بحضرتهن، والفسوق وهو: جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام، والجدال: وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة، لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة، والمقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب إليه بما أمكن من القربات، والتنزه عن مفارقة السيئات، فإنه بذلك يكون مبرورًا والمبرور، ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء، وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان، فإنه يتغلظ المنع عنها في الحج، واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك المعاصي حتى يفعل الأوامر، ولهذا قال تعالى: âوَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ á [البقرة: 197].

14 ـــ في الحج جمع للناس على مبدأ التوحيد:

في الحج تتجلى صورة التوحيد لدى الحجاج، في تلبيتهم ومناجاتهم ربًا واحدًا، يرفعون كلمة التوحيد ويعتصمون بالحبل المتين وقد قال تعالى آمرًا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: âوَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ á [البقرة: 125]، أي: أوحينا إليهما، وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك، والكفر والمعاصي، ومن الرجس والنحاسات، والأقذار، وقال تعالى: âوَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ á [الحج : 26].

15 ـــ يتعلم الحاج دروس التضحية والبذل:

من آثار الحج على المسلم الذي يؤدي هذه الفريضة أنه يتعلم دروسًا في البذل والتضحية، ولذا كان الحج بابًا من أبواب الجهاد، لأن الحاج يترك وطنه وأهله وأحبابه، ويبذل المال قربة لله، ويتعود على التخلي من البخل والشح، وهذا كله يتجلى فيما ينفق للوصول إلى بيت الله الحرام ويتقرب إلى الله تعالى بذبح الهدي وتقديم النذور وخدمة إخوانه الحجاج ببدنه، وتعلمه لهم وتوجيهه إياهم، وتقديم ما يستطيع تقديمه.

16 ـــ الحج نقطة تغير إلى الأفضل:

قال تعالى:âإِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْá [الرعد: 11]، والحج فرصة مناسبة لكي يفكر الحاج في أن يغير حياته إلى أفضل في العبادة والسلوك ويزداد خيرًا وتقوى وصلاحًا، ولذا أمر الله رضي الله عنه بحانه الحاج أن يستمر في ذكر الله عز وجل وإنابته إليه وحتى بعد قضاء مناسكه، قال تعالى: âفَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا á [البقرة: 200].

فهذه العبادة التي هي ركن من أركان الإسلام، وهذه فضائلها وآثارها ينبغي على المسلم أن يفقهها ويتدبرها لتتم له كاملة في الدنيا والآخرة فيخرج منها وقد قبل حجة، وغفر ذنبه، وشكر رضي الله عنه عيه فعيش عيشة السعداء في الدنيا، وفي الآخرة أعظم وأفضل حيث ما لا عين رأت ولا أذن رضي الله عنه معت ولا خطر على قلب بشر.



بحث عن بحث