الوقفة السابعة عشرة

يـوم عـرفة وليـلة مــزدلفــة 

بعد طلوع الشمس من اليوم التاسع يوم عرفة يتجه الحجاج إلى عرفات والسنّة أن ينزلوا بنمرة – وهو مكان على حدود عرفة-إلى الزوال إذا تيسر ذلك فإن لم يتيسر فلا حرج عليهم أن يتجهوا مباشرة إلى عرفات، والنزول بنمرة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقول جابر رضي الله عنه : ثم مكثت قليلًا –يعني بمنى- حتى طلعت الشمس فأجاز حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر القصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن قم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئًا ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص ودفع)أ.هـ.

ففي عرفات يصلي الحجاج الظهر والعصر جمعًا وقصرًا بأذان واحد وإقامتين ويخطب الإمام خطبة تناسب الحال والمقام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وينبغي للحاج أن يتأكد من حدود عرفة ففيها أعلام منصوبة والذي يجهلها عليه أن يسأل من يعلم ويستحب أن يستقبل القبلة.

وينبغي للحاج أن يخلص الدعاء ويكثر منه في هذا اليوم العظيم ويرفع يديه متذللًا خاشعًا ويحرص على ذكر الله تعالى وإن قرأ شيئًا من القرآن فحسن، ومن الأذكار المستحبة ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير»، وغير ذلك من الأذكار والأدعية الواردة فيجتهد ويلح على ربه جل وعلا بكل تذلل وخشوع ويسأله رضي الله عنه ؤال الخائف من عذابه الراجي رحمته التائب من معصيته فهذا موقف عظيم كم لله فيه من عتقاء من النار روى مسلم وغيره، وعن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء»، فأروا الله –أيها الحجاج- من أنفسكم خيرًا، أدعوه خوفًا وطمعًا أروه دموعكم الخاشعة وقلوبكم الوجلة، وأفئدتكم المنكسرة لعله أن يغفر لكم ذنوبكم ويعتق رقابكم من النار.

وهناك أخطاء يرتكبها كثير من الحجاج في ذلك اليوم العظيم، مما يفوت عليهم بارتكابها الأجر والثواب، وقد يفوت حجهم بكامله:

1- منها نزول بعض الحجاج خارج حدود عرفة وبقاؤهم في أماكنهم حتى الانصراف وهذا خطأ كبير لأنه يترتب على هذا الفعل فوات الحج لمن فعله لأن الحج عرفة والوقوف بها ركن من أركان الحج فلابد من الوقوف داخل الحدود إلى غروب الشمس.

2- ومن الأخطاء أيضًا الانصراف من عرفة قبل غروب الشمس لأن البقاء إلى الغروب واجب من واجبات الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غربت الشمس تمامًا، وقال: «خذوا عني مناسككم».

3- ومن الأفعال الخاطئة أيضًا التزاحم الشديد على صعود جبل عرفة وفهمهم أن الصعود من أعمال الحج فهذا من الأخطاء المنتشرة وقد يترتب عليه أضرار بسبب هذا التزاحم والصواب أن عرفة كلها موقف كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم. فليس للجبل مزية خاصة.

4- ومن الأخطاء أيضًا استقبال الجبل دون استقبال القبلة في الدعاء والصواب استقبال القبلة في الدعاء.

 5- ومن الأخطاء ضياع الوقت في ذلك اليوم بالذهاب والإياب والانشغال بأمور جانبية والتصوير بحجة الذكرى ونحوها فالرسول صلى الله عليه وسلم واقفًا يدعو ربه بخشوع من بعد الصلاة حتى غربت الشمس، فليحرص الحاج – وفقه الله - على اغتنام هذه الساعات الغالية واللحظات الثمينة ففيها يتنافس المتنافسون ويحرص عليها الموفقون، وليستمر بالدعاء والذكر والقراءة إلى غروب الشمس.

بقي أن نعلم أخي المسلم أن صوم يوم عرفة رضي الله عنه نة مؤكدة لغير الحاج فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يكفر السنة الماضية والباقية» رواه مسلم، أما الحاج فلا يسن له لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطرًا، ثم إن الصيام يتعبه في ذلك اليوم وهو مشغول بالذكر والدعاء والقراءة وغيرها.

أيها الحاج الكريم إذا غربت شمس ذلك اليوم على الحاج أن يسير إلى مزدلفة بسكينة ووقار وهدوء ذاكرًا الله تعالى ملبيًا، قال تعالى: âفَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ á، فإذا وصل صلى بها المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين جمعًا بأذان واحد وإقامتين ويبيت بمزدلفة تلك الليلة، فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكرًا بأذان وإقامة ثم قصد المشعر الحرام مكان المسجد إن تيسر ذلك وإلا فيجلس في مكانه مستقبلًا القبلة فيوحد الله ويكبره ويدعو بما أحب حتى يسفر جدًا ثم يدفع إلى منى.

واعلم أخي الحاج أنه لا يجوز للقوي أن يدفع من مزدلفة حتى يصلي الفجر يوم العيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا عني مناسككم».

أما الضعيف والمريض أو من في صحبته نساء وضعاف أو مشتغلًا بخدمة الحجاج له أن يدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل ولهم أن يرموا جمرة العقبة قبل الناس.

وهناك أخطاء يقع فيها بعض الحجاج ومنها:

1- أنهم ينشغلون بلقط الحصي حين وصولهم إلى مزدلفة قبل أن يصلوا المغرب والعشاء متصورين بأن الحصا لابد أن يكون كل من مزدلفة والصواب أن يجوز أخذه من أي مكان من الحرم والرسول صلى الله عليه وسلم لم يلقط له الحصى إلا في الصباح بعد دفعه من مزدلفة بعدما دخل منى.

2- ومن الأخطاء والذي تساهل بها كثير من الحجاج عدم الاهتمام بالمبيت بمزدلفة بل قد يتصور البعض أنه يكفيهم أن يصلوا فيها المغرب والعشاء فقط وهذا خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما رضي الله عنه بق بيانه وقال: «خذوا عني مناسككم» ولم يرخص في الدفع منها إلا للضعفة وممن في حكمهم فالمبيت واجب من واجبات الحج.

3- ومن الأخطاء الشائعة أيضًا عند البعض غسل الحصا بالماء وهذا فعل غير مشروع لم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن رضي الله عنه لف الأمة.

4- ومما يلاحظ أيضًا على كثير من الحجاج عدم استغلال الوقت بالذكر فيخالفون السنة.



بحث عن بحث