تحقيق الولاء لله والبراءة من الشرك وأهله في الحج

إن الدين الذي اختاره الله تعالى لعباده منذ أن خلق الخلق هو دين الإسلام، لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾، وهو الدين الذي دعا إليه أنبياء الله جميعهم ورسله، من آدم عليه السلام إلى محمد بن عبد الله  صلى الله عليه وسلم ، وعمود هذا الدين الذي كان محور دعوة الرسل والأنبياء هو توحيد الله تعالى وإخلاص العبودية له وحده دون سواه، وأي دين أو منهج غير هذا الدين وغير هذه الدعوة، فهو باطل ومردود، لقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

وهذا الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده ليكون لهم منهجًا في الحياة وشريعة كاملة، لا يأتيه الباطل، ولا يشوبه نقص ولا يعتريه تناقض، فهو منزه عن النواقص والتناقضات لأنه من عند الله، وهو دين شامل بأحكامه وحدوده، فلم يدع جانبًا من جوانب الحياة إلا وقوّمه بالصلاح، ودلّ على ما فيه خير العباد في الدنيا والآخرة، وهو دين العبادات والطاعات، فلم يدع البشر يطبقون أحكامه في المعاملات والحدود، ويتركهم تائهين ومنقطعين عن خالقهم وبارئهم، فجاء هذا الدين بفرائض لابد من أدائها، كالصلاة والصيام والزكاة والحج، لربط العباد بربهم واستشعار عظمته وإفراده بالعبودية، واللجوء إليه في السراء والضراء بالشكر والصبر.

ومن بين هذه الفرائض التي جاء بها هذا الدين فريضة الحج التي قامت في الأصل على أساس توحيد الله تعالى، فكل أعمال هذه الفريضة من الوقوف بعرفة والتحول إلى مزدلفة ثم منى، ورمي الجمرات والنحر والحلق والطواف والسعي، كلها تهدف إلى تحقيق هدف واحد، هو توحيد الله وإفراده بالألوهية والربوبية، وكذلك ما يقال عند القيام بهذه الأفعال، وما تواتر عن النبي  صلى الله عليه وسلم  والصحابة الكرام عليهم رضوان الله، كلها ذكر وتهليل وتكبير وتعظيم للخالق جل شأنه، وتنزيهه من الأشباه والأنداد، كل ذلك من أجل سلامة عقيدة البشر، التي هي أساس سلوكياتهم وحركاتهم في الحياة، فكان تشريع هذا الفرض بمثابة ولاء كامل لله ولرسوله وللمؤمنين، وبراءة من الشرك والمشركين.

فقد كانت جزيرة العرب في حالة ظلام داكن من التخبط والضلال والفوضى في جوانب الحياة، ليس فقط في الجانب الاجتماعي المتمثل في وجود فروقات طبقية ومظالم اجتماعية بين الأغنياء والفقراء والسادة والعبيد، أو النظرة الدونية للمرأة بوصفها مخلوقًا آخر، ووأدها وحرمانها من الميراث، وتطبيق أحكام جائرة عليها عند وفاة زوجها، وغير ذلك من الضلالات والظلمات التي كانت تسود تلك المنطقة خاصة، والعالم من حولها عامة، وإنما كان هذا الفساد قد تخلخل وتعمق في صلب العقيدة والتصور عن الخالق جل وعلا.



بحث عن بحث