الدعاة والموازنة بين الغاية والوسيلة:

إن الموازنة بين الغاية الوسيلة في حياة الدعاة وممارستهم على جانب كبير من الأهمية.

وهذه الموازنة لها محاور متعددة، ومنها:

1- الموازنة في التعامل مع كل من الغاية والوسيلة بما يناسبها، فلا يتعامل مع الوسائل على أنها غايات، ولا يتعامل مع الغايات على أنها وسائل، فكم تحولت في حياة بعض المسلمين اليوم الوسائل إلى غايات، حتى وصل ببعضهم الغلو في الوسائل إلى إضاعة الغاية التي استخدموا الوسيلة لها، مثل ما وقع فيع بعض الدعاة اليوم من الذين انتموا إلى أحزاب وجماعات إسلامية لتحقيق الدعوة إلى الله تعالى، فإذا بهم يصبحون دعاة إلى جماعاتهم وأحزابهم أكثر من دعوتهم إلى مبادئهم وأهدافهم، فوقعوا في الحزبية المنغلقة، وتجاوز بعض الدعاة الحدود في التعامل مع الوسائل التي اتخذوها لتوصلهم إلى هدفهم العام، فكانت هي هدفهم وإن أدت إلى ضياع الهدف الأصيل الذي استخدموها لأجله.

وهذا المحور غاية في الأهمية من الناحية العملية، إذ أن عدم الموازنة أوقع في مشكلات كثيرة خرجت بالدعوة عن مسارها الدعوي الصحيح إلى مآرب شخصية وحزبية ونحوها، والناظر إلى بعض الدعوات في مختلف أنحاء العالم الإسلامي يجد ذلك واضحًا جليًا.

2- كما أن من محاور الموازنة بين الغاية والوسيلة تقدير الوسائل المناسبة للغايات المطلوبة، فكم تساهل الناس في وسائل كثيرة  كان بالإمكان الاستفادة منها لتحصيل غاياتهم في الدعوة إلى الله تعالى، متجاهلين لمشروعيتها من جهة، أو مستشكلين في التباسها بمحرم، فضيعوا فرصًا كثيرة لعدم استخدامهم لتلك الوسائل، ومثل أولئك مثل من ابتعد عن الدعوة في بعض الوسائل الإعلامية اليوم مدعيًا حرمة التعامل معها بإطلاق لما تحويه من محرم، فمثل هذا يعذر باجتهاده، ولكنه في وجهة النظر الأخرى ضيع فرصًا عظيمة ثبت نفعها في الواقع، وبخاصة إذا ألزم غيره بهذا الرأي.

3- ومن محاور الموازنة أيضًا بين الغاية والوسيلة اختيار الوسائل المناسبة والاهتمام بها عند وضع الخطط والمناهج الدعوية، فلا يكتفي الداعية بحسن الهدف ونبله، وكم اقتصر بعض الدعاة على الهدف في دراستهم وأعمالهم، غير مقدرين لما تحتاجه أعمالهم من وسائل تحقق لهم غاياتهم، فإذا بهم يخوضون فيما لا يحسنون، ويقعون فيما لا يقدرون، لأن وسائلهم المتاحة عجزت عن مساعدتهم في تحقيق أهدافهم، كمن تعجل في أعمال جهادية لم يحقق وسائلها، ولم ينظر إلى متطلباتها، فكان ضرره أكثر من نفعه وتدميره أكبر من بناءه، ومثال ذلك: أن يحدد هدفًا عظيمًا مثل تشييد مدارس لتحفيظ القرآن الكريم أو تربية الناس على المنهج العلمي، ويوغل في تشييد هذا الهدف وصناعته لكن لم يقدر الوسائل المناسبة لتحقيقه، فيذهب الجهد هباءًا منثورًا.

ومن هنا على الداعية أن يوازن لكي يبدأ عملًا جادًا ومثمرًا.

4- ومن محاور الموازنة بين الغايات والوسائل، التقدير والمساواة بين الغاية والوسيلة، فلكل غاية وسائلها، وقد بالغ بعض الدعاة في استخدام الوسائل وتطويرها، واتخاذ القدر الكبير منها، واستغلاله في الحركة الدعوية، لتحقيق أهداف ميسرة، فإذا بالغاية تضيع بين كثرة الوسائل، ويفقد المدعوون التركيز على الغاية لانشغالهم بمتعة التعرف على الوسيلة، وهذا لا يعني التقليل من أهمية الوسائل، بل المراد من ذلك دقة الموازنة في اختيار الوسيلة المناسبة للغاية المناسبة.

ومن خلال ما سبق تتبين أهمية الموازنة بين الغاية والوسيلة في حياة الدعاة إلى الله تعالى.

الآثار الإيجابية:

إن من أهم الآثار الإيجابية في استخدام الوسائل المناسبة ما يلي:

1 – تبليغ الدعوة بكل ما تيسر من الوسائل.

2 – براءة الذمة في الاستفادة مما منح الله جل وعلا من الإمكانات.

3 – اختصار الوقت والجهد والمال في تبليغ الدعوة.

4 – عدم تأخر الدعوة وقتًا، مما تضيع معه عدد من الفرص الدعوية.

5 – الفاعلية في التجاوب مع القضايا المستجدة لتبليغ الدعوة.

وعلى عكس هذه الإيجابيات تكون السلبيات في التأخر عن الوسائل والاستفادة من المناسبة فيحصل التأخر والإحجام عن تبليغ الدعوة، كما يحصل من انتشار الشر والرذيلة ما يستدعي جهودًا أكبر في معالجتها ومكافحة انتشارها.

والخلاصة: أن على الداعية بعد صياغة أهدافه، أن يصوغ وسائله التي يريد العمل بها للوصول إلى الأهداف المرسومة كلما كانت الوسيلة أسهل تناولًا، وأقل تكلفة، وأوسع انتشارًا، وأوضح بيانًا، كانت الحاجة إليها أمس، والداعي إليها أوجب.

وكلما كانت الوسيلة أصعب استعمالًا، وأكثر تكلفة، وأضيق انتشارًا، وأعقد بيانًا، كان تركها أولى من استخدامها.

والمسألة تخضع لقواعد تزاحم المصالح والمفاسد، مما هو مفصل في مظانه.



بحث عن بحث