الآثار المترتبة على مخالفة قاعدة البناء والمعالجة:

إن مخالفة هذه القاعدة له آثار خطيرة على الدعوة والداعية منها:

1 -أن التقصير من الدعاة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو البناء والمعالجة يجر على الأمة شرًا مستطيرًا وفتنًا كثيرة، منها انتشار المنكر، وإشاعة الفاحشة، وتفشي الجرائم، وتعدي حدود الله... غير ذلك، وقد قال الله تعالى:

2 – تأخر الأمة وضعفها في جميع الميادين، لأن الشرّ إذا انتشر، والخير إذا تأخر، أدى إلى تراجع الأمة، ومن ثم كان ذلك سببًا للعقوبا.

3 – ما ذكره الله سبحانه وتعالى من الخيرية لهذه الأمة وفلاحها ونجاتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحل محله الهلاك والخسارة واللعن والطرد كما سبق في النصور.

4 - أن عدم إحاطة الداعية بفقه إنكار المنكر يجعله يتخبط في دعوته فيضر أكثر مما ينفع، بل يجعل الناس ينصرفون عنه وعن دعوته، فيكون قد أفسد من حيث أراد أن يصلح، وما ذلك إلا لعدم فقهه في تغيير المنكر أو في مراتب تغييره.

والخلاصة:

أن الدعوة لها مساران متوازيان، مسار البناء والتربية وهو مسار الأمر بالمعروف، ومسار المعالجة وهو مسار النهي عن المنكر. ويمكن تلخيص ما سبق وفق هذه الرؤية في النقاط الآتية:

1 – أن الله جل وعلا ندب إلى البناء في جميع المجالات النافعة، عقديًا، وعلميًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، وغيرها وفق ما ينطلق منها من مشاريع عظيمة، ووفق أي تسمية سميت، ولو لاحظنا تعبير القرآن الكريم لوجدناه يعبر التعبيرات الجامعة لكل هذه المجالات، مثل: «الأمر بالمعروف»، و«الدعوة إلى الخير».

وبناء على ذلك أقول: من الخير أن يتعامل الجميع مع هذا الأصل وبخاصة أهل العلم والفكر والدعوة فتُبنى المشاريع على ذلك، سواء كانت مشاريع فردية أو مؤسسية، صغيرة أو كبيرة.

وهذا مسار عظيم تتأكد عظمته من خلال دراستنا لسيرة النبي  صلى الله عليه وسلم ، فمنذ أن كلف بالدعوة، وهو يتجه عليه الصلاة والسلام إلى العمل في هذا المسار.

2 – وكما وجّه الله جلّ وعلا إلى المسار الأول وجّه سبحانه وتعالى إلى المسار الثاني وهو المعالجة للأخطاء، وتعديل المعوج، وسماه سبحانه: «النهي عن المنكر» و«النهي عن السوء» ووصف أهله بالإجرام: «إن الذين أجرموا».

وبناء على ذلك أقول: من الخير أن يوجد أعمال ومشاريع على مستوى الأفراد، والمؤسسات، والمجتمع، والدولة للقيام بهذه المهمة العظيمة سواء سميناها: معالجة الأخطاء، أو تغيير المنكرات، أو تصحيح الانحراف، وسواء كانت متخصصة بشيء معين كمكافحة التدخين، أو المخدرات، أو عامة لكل خطأ كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسواء كان القائم فردًا في مهمة، أو مؤسسة، أو غيرها.

3 – يجب أن ينظر إلى هذين المسارين على أنهما مساران متوازيان وليسا مسارين متعارضين أو متضادين، وبناء على ذلك:

أ – من الخير العمل بهما جميعًا وفق ما تقتضيه حاجة المجتمع أو المجتمعات.

ب – أنهما يكمل بعضهما بعضًا، والحاجة إليهما قائمة، وذلك بالنظر إلى عموم المجتمع، وهذا يقتضي أن زيدًا – مثلًا – لديه مشروع بنائي، وأن عمروًا – مثلًا – لديه جمعية لمكافحة الرشوة، فهذه تكمل ذلك.

ج – عدم التثريب على من يقوم بمسار دون الآخر، وعدم اللمز والغمز، وبأي من المسارين أو بمن يقوم بأحدهما، وهذا التثريب من القواصم لظهر الدعوة، وعدم الفقه السليم، ومن تلبيس إبليس.

4 – قد يحصل جدل أيهما أهم؟ والحقيقة هما كالدائرة، فكلا المسارين مهم، والقدوة عليه الصلاة والسلام عمل بهما جميعًا.

والله جل وعلا قال: ﴿واعبدوا الله﴾ وهذا مسار، وقال: ﴿ولا تشركوا به شيئًا﴾ وهذا مسار. وقد يكون هذا أهم في وقت، وذاك في وقت، فنبي الله شعيب عليه السلام أمر بالتوحيد، ونهى عن التطفيف بالمكاييل والموازين، ولم يخصص النهي عن شيء آخر، ونبي الله لوط عليه السلام، أمر بالتوحيد، ونهى عن اللواط ولم ينه عن شيء آخر، وهكذا سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، فدلّ هذا على أنه يتأكد أمر بمسألة دون أخرى مع بقاء الأصل وهو «الأمر بعبادة الله، والنهي عن الشرك»، وعليه فالجميع مهم.

وهذا يعالج ما يتراءى للبعض بأن يلمز الآخرين لتركيزهم على أمر لا يراه مهمًا، لكنهم سُخّروا له، ففي نظرهم أنهم مهم، ولذا يجب النظر إلى أن الجميع في مسار واحد.



بحث عن بحث