رؤى جزئية للتغير والإصلاح:

في الساحة الإسلامية أفراد وجماعات يبذلون جهودهم لتغيير واقع الأمة، لكنهم مختلفون فيما بينهم في المنهج الذي يحقق الهدف الذي قاموا من أجله:

  • فمنهم الذي اختار التغيير الذي يقود إلى الإصلاح بالقوة، فتوجه إلى تصفية الممتلكات والمقدرات بل والشخصيات في الدولة التي يعيش فيها، وقد يحكم بعض هؤلاء على من لا يرضى ما هم عليه من فكر ورأي فيستبيحون دمه، وقد جرت خطوب وأهوال في كثير من ديار الإسلام بسبب هذا التوجه على مدار التاريخ.

ومنهم من يرى أن علاج الأمة يتحقق بتكوين بعض الجمعيات الخيرية والمؤسسات الفكرية والسياسية، وأن ذلك هو السبب الأول لكل ارتقاء وأن قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]، هو الذي ينبغي أن يكون المؤشر الحقيقي في مسألة الصعود والهبوط.

  • ومنهم من يرى أن الإصلاح يتأتى بمقاومة الاستبداد السياسي الذي جثم على صدر الأمة طويلًا، وكان سببًا للبلاء والكوارث ومن ثم فلابد من الشورى وتقييد الحكومات، والسعي الجاد للضغط عليها، وإظهار مخاصمتها، والوقوف بريبة ضد مشاريعها، والنظر إلى تصاريح ولاتها بمنظار السلبية.

ولذا كان لا بد من التغيير الجذري الذي بنيت عليه أفكار وأحزاب في كثير من الدول الإسلامية، وتناقلتها كثير من الجماعات الإسلامية.

ومن هنا لتعزيز هذه الرؤية تبرز الأخطاء الكبرى عند هذه الدول والمجتمعات.

يقول الكواكبي: «وبفقدان الحرية تفقد الآمال، وتبطل الأعمال، وتموت النفوس، وتتعطل الشرائع».

  • ومنهم من يرى أن النهضة الصحيحة للأمة تكمن في الارتفاع الفكري، على الأساس الروحي، فإذا وجدت الأفكار وجدت النهضة، وإذا عدمت الأفكار كان الانحطاط، فإن الأفكار في أية أمة من الأمم هي أعظم ثروة تنالها الأمة في حياتها وإن كانت الأمة ناشئة، وأعظم هبة يتسلمها الجيل من سلفه إذا كانت الأمة عريقة من الفكر، وإذا دمرت ثروة الأمة المادية، فسرعان ما يمكن تجديدها ما دامت الأمة محتفظة بثروتها الفكرية، أما إذا تداعت ثروة الأمة الفكرية، وظلت الأمة محتفظة بثروتها المادية فسرعان ما تتضاءل هذه الثروة، وترتد الأمة إلى حالة الفقر.

إن هذا النهج عند أصحابه قد أدى إلى ضمور الجانب الروحي والتفاعل الإيماني الداخلي، ولذا فإنك ترى هؤلاء القوم يسهرون الليالي في تداول الفكر وتدارسه، والحوار حوله، والجدل به، ولكنهم لا يعنون بالعبادة والذكر والدعاء والصلة بالله.

  • ومنهم من يرى أن المنهج الذي يغير أحوال الأمة ويرقى بها يحتاج إلى اختراع واكتشاف، وأن مهمة أصحاب العقول استقراء تاريخ البشرية، والنظر في ثمار عقول الفلاسفة والمفكرين والمصلحين كي يستلهموا المنهج، وهؤلاء لهم بصمات واضحة في هذا المسار، وقد يظن هؤلاء أن هذا الذي يقومون به هو التجديد الذي تحتاجه الأمة الإسلامية، والذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يبعث للأمة من يقوم به على رأس كل قرن.

هذه بعض الأطروحات للنهوض بالأمة، وهناك طروحات أخرى، ويمكن أن نقسمها إلى قسمين:

القسم الأول: يرى منهج التغيير الجذري ويعنى به استئصال الأنظمة الحاكمة، ويتبعها أنظمتها السياسية والاقتصادية وغيرها، وهذا يمكن أن يصطلح عليه: «منهج التغيير»، وهذا المنهج لا يرى ما يسميه: «الترقيع». وقد أخذ به جماعات وأحزاب على مدار التاريخ المعاصر.

والتجربة في بعض البلدان ولبعض الجماعات والأحزاب أثبتت فشله الذريع، فضلًا عن فشله في مرتكزاته الشرعية، والواقعية، ومنها:

1 – استعمال القوة التي يترتب عليها القتل والحبس والاعتداءات وتدمير الممتلكات.

2 – تأخر الأمة عن المشاريع البنائية والتنموية وغيرها.

3- الانشغال بهذه القضية دون غيرها سبب تمادي المجتمعات في الانحراف.

4- ما يترتب عليه من الخروج عن الحاكم المسلم دون المخالفات.

القسم الثاني: يرى منهج الإصلاح لما اعوج من الأخطاء، وهذا المنهج منه مناهج جزئية في جوانب إصلاحية معينة، ومنه مناهج متخصصة، كمن ينحو منحى الجمعيات الخيرية، أو إصلاح الأفراد، أو إصلاح جهة أو مؤسسة، أو يعالج مشكلة أو مشكلات، ومنه مناهج عامة تعنى بجوانب متعددة فكرية، واجتماعية، واقتصادية، وتربوية وغيرها.

وهذه المناهج تجتمع في منهج: «الإصلاح».

وهو المنهج الذي يثمر ثمراته إذا سار بضوابطه الشرعية، ومرتكزاته الواقعية، وهو ما أحاول الإسهام فيه وفق هذه الورقات.



بحث عن بحث