القاعدة الثامنة

العقل والعاطفة

مدخل: [الداعية الموفق هو الذي يجمع دعوته بين إعمال العقل وإمتاع العاطفة في منهجه وأحكامه ومواقفه وأسلوبه).

وبيان ذلك: أن في النفس الإنسانية قوتين: قوة تفكير، وقوة وجدان، وحاجة كل واحد منهما غير حاجة أختها، فأما إحداهما فتنقب عن الحق لمعرفته، وعن الخير للعمل به، وأما الأخرى فتسجل إحساسها بما في الأشياء من لذة وألم، والبيان التام هو الذي يلبى في المدعو هاتين الحاجتين ويطير إلى نفسه بهذه الجناحين، فيؤتيها حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية.

ومن ثم فمن جمال أسلوب الداعية، وجذبه الناس إلى الاستماع له، وتأثرهم به أن يتضمن أسلوبه ما يثير العاطفة ولا يطغى عليه، ومن قوة حجة الداعية، ومتانة أسلوبه أن يحتوي على ما يحرك العقل، ولا يقتصر عليه.

فمن الناس: من هم أصحاب عاطفة، يتأثرون بما يثير الوجدان، ويتلمس القلوب، ومنهم من يتأثر بالقناعات العقلية، والقضايا الفكرية.

وبناء على هذا: فإن من حكمة الداعية أن يعم بخطابه الصنفين: العقلانيين والعاطفيين، وأن يشمل أسلوبه الطرفين.

وقد رسم القرآن الكريم منهج الدعوة في قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يبلغه الخطاب من بعده، وهو يتضمن الدعوة بـ «الحكمة» التي تقنع العقل، و«الموعظة» التي تحرك القلب، وللحكمة أهلها، وهم الذين يغلب عليهم النظر العقلي، وللموعظة أهلها، وهم الذين يغلب عليهم التأثر العاطفي، ولا مانع أن يمزج الداعية الحكمة بالموعظة أو العقل بالعاطفة، كما يفيده العطف والاقتران بينهما في الآية الكريمة.



بحث عن بحث