النتائج المترتبة على مخالفة قاعدة المثالية والواقعية:

إن بعض الدعاة يقفز على الواقع الذي تعيشه الأمة، فهو يريد كمالًا في الإيمان فلا أحد يعصى، وكمالًا في التعبد فلا أحد يقصر، وكمالًا في الفهم فلا خلاف في الاجتهاد، وكمالًا في الأخلاق فلا أحد يخطئ.

إن مثل الذين يطلبون المثالية بعيدين عن الواقعية، كمثل من يطلب زوجة مثالية في جمالها، مثالية في أخلاقها ودينها، مثالية في تصرفاتها، مثالية في ثقافتها... إنه سيبقى أبد الدهر عازبًا.

وإن تزوج فليصدمن، فإما أن يصبر، وإما أن يطلق، وسيبقى في خيال وعذاب، وقصر وتقصير، قصر نظر في رؤيته، وتقصير في عمله.

إن عدم واقعية بعض دعاتنا، جرّ عليهم وعلى المسلمين مشكلات كثيرة، ومصائب جسيمة، وتقصيرًا في الأداء، ثم عجزا وفشلا في الدعوة إلى الله.

إن الذي يظن أن يحكم بعد أبي بكر وعمر م بمثلهما فلينتظر؟ وليس ببالغ أمره.

وإن الذي يدعو قومًا يريد أن يكونوا كالصحابة في الإيمان والعمل.. لن يحصد إلا الخيبة والفشل.

وإن الذين يطلبون الكمال في الدعوة، كالمنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى.

إن من المعلوم في دين الله، أن الله لم يوجب الكمال على العباد، فهو     عزَّ وجل جبل الناس على التقصير.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم».

إن تعامل الداعية مع نفسه، وتعامل الدعوة مع الناس من منطلق المحاسبة على التقصير عن الكمال، ومن منطلق الوصول إلى المثالية جرّ على المسلمين بعامة وعلى الدعوة والدعاة بخاصة عبر تاريخهم وواقعهم ويلات كثيرة، ومصائب جسيمة، من نقض البيعات إلى اتهام العلماء المسلمين، بل وقتلهم، وتدمير منشآتهم، كما جرّ اضطرابًا في الأفهام، وانحرافًا في فهم الشريعة، وارتباكًا في المناهج الدعوية، وفتورًا في الدعوة، وانتكاسًا لكثير من أفرادها، ويأسًا من النجاح، وقنوطًا من رحمة الله، وربما تقدمًا نحو الشر والضلال.

والخلاصة لما سبق:

إن من الخير أن يتعامل الداعية في ضوء واقعه وواقع مجتمعه، ويبنى منهاجه الدعوي، ويخطط لمسيرته الدعوية، ويرسم أهدافه في ضوء ما سبق بيانه من الواقعية في جميع جوانبها، يرنوا إلى المثالية ولكن يسير في ضوء الواقع.

ومن الخير للمؤسسات الدعوية ودورها أن تبنى منهاجها الدعوي ومواقفها على هذا المعلم المهم.

ولعلّ من أهم أبواب المراجعة للدعوات هذا المعلم الخطير، فيعاد النظر في ضوء فقهه وفهمه وتبني البرامج عليه، هكذا كلفنا الله تعالى، ولم يحملنا ما نطيق. فإذا كان سبحانه جعل التشريع حسب الطاقة، فالدعوة من باب أولى.

كما لا يعني هذا: الركود والاستسلام للهوى، ورغبات النفس، بحجة الواقعية في الفهم والطرح وعدم المثالية.

كما لا يعني الوقوف أمام العقبات بدون معالجة أو مراجعة، وفي كل ذلك يرجى الأجر وبلوغ الآمال.  

وكما لا يعني التساهل في أحكام الشرع، وتمييعها، بل يجب أن تبنى على الدليل الشرعي وفقهه.

فهذه القاعدة تتكامل مع غيرها.



بحث عن بحث