التدرج في الدعوة إلى الشريعة أمر تقتضيه الدعوة:

الشريعة الإسلامية جاءت على أساس مراعاة مصالح الناس ودفع المفاسد عنهم، فاقتضت هذه المراعاة التدرج في الدعوة إلى هذه الشريعة، يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان: «هذا التدرج باق عند الحاجة إليه ، ولا شك أن الشارع تدرج في تشريع الأحكام رحمة بالناس، وترغيبا لهم في القبول، ومن ذلك تدرجه في شريعة الصيام، وتدرجه في تحريم الخمر، وذلك من أجل الرحمة بالناس وعدم المشقة عليهم، وهذا التدرج مطلوب عند الحاجة إليه في كل زمان».

فالقاعدة إذًا في الدعوة إلى الشريعة مراعاة حال الدعوة والمدعو زمانًا ومكانًا، فإذا كان المدعو مسلمًا فإن المصلحة تقتضي إلزامه بأحكام الشريعة جملة دون تدرج.

يقول فضيلة الشيخ محمد العثيمين مبينًا عدم التدرج في دعوة المسلمين إلى العمل بأحكام الشريعة: مثلًا الخمر، لا نقول: أولا نرغب الناس في تركها ، ثم نحاولهم أن يتركوها أوقات الصلاة ، بل نقول لهم : هي حرام ، وندعوهم بالتي هي أحسن فننظر إلى حالهم وندعوهم على حسب حالهم.

ويقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان: «فإذا كان الذي يشرب الخمر يعلم أنه محرم ، ويعلم الوعيد فهذا لا يحتاج إلى تدرج ، لأنه يعلم هذا ، وإنما يجب نهيه وزجره وإقامة الحد عليه ، لأنه دخل في هذا الأمر وهو يعرف».

وتقتضي الحكمة في دعوة المسلمين إلى بعض أمور الشريعة في هذا العصر مراعاة جانب مهم وهو تأخير إنكار المنكر إذا اقتضت حاجة الدعوة ذلك.

يقول فضيلة الشيخ محمد العثيمين: «تأخير إنكار المنكر قد يكون من باب استعمال الحكمة في الدعوة إلى الله، فقد يكون هذا الرجل الفاعل للمنكر لا يناسب أن ننكر عليه في هذا الوقت بالذات، لكن سأحتفظ لنفسي بحق الإنكار عليه، ودعوته إلى الحق في وقت يكون أنسب، وهذا في الحقيقة طريق صحيح، فإن هذا الدين كما نعلم جميعا بدأ بالتدرج شيئًا فشيئًا، فأقر الناس على ما كانوا يفعلونه من أمور كانت في النهاية حرامًا من أجل المصلحة، فهذه الخمر مثلًا بين الله تعالى لعباده أن فيها إثمًا كبيرًا ومنافع للناس، وأن إثمها أكبر من نفعها، وبقي الناس عليها حتى نزلت آخر آية فيها تحرمها بتاتا، فإذا رأى إنسان من المصلحة أن لا يدعو هذا الرجل في هذا الوقت، أو في هذا المكان، ويؤخر دعوته في وقت آخر، أو في مكان آخر لأنه يرى أن ذلك أصلح أو أنفع ، فهذا لا بأس به».

أما إذا كان المدعو كافرًا فإنه يلزم التدرج في دعوته إلى الشريعة فيدعى أولًا إلى أصل الإسلام، ثم بعد ذلك نأمره بالصلاة، ثم بالزكاة، ثم الصوم، ثم الحج كما جاء في حديث بعث معاذ السابق.

ولو اشترط هذا الصنف من المدعوين ارتكاب بعض المخالفات الشرعية مقابل إسلامه، مثل شرب الخمر مثلًا، فإنه يتعامل معه وفق القاعدة الفقهية: «إذا تزاحمت المفاسد واضطر إلى واحد منها قدم الأخف منها».

فيقبل إسلامه ويقبل شرطه.

يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: «لا أعلم مانعا، لأن شرب الخمر أسهل من بقائه على الكفر، يبين له التحريم، ويدعو له بالتوفيق، أنت إذا أسلمت إن شاء الله سوف تتركه فإن هذا خير من بقائه على الكفر».



بحث عن بحث