حق القرآن

 

الحمد لله الذي أعزنا بالقرآن، ورفعنا بالقرآن، وجعله دستور أهل الإيمان، ونور قلوب المتقين، وهدًى وشفاءً ورحمةً للمؤمنين، أحمده سبحانه أنعم علينا بهذا الكتاب المبين، وجعله رفعة لمن آمن به من العالمين، وحجة على الخلق أجمعين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

 

أما بعد:

فسنعيش في هذا الدرس مع حق له أهميته في حياة المسلم، يتفاوت الناس في القيام به ما بين قارئ وتالٍ، ومتأمل ومتفكر، وعالم فيه ومتعلم منه، ألا وهو حق كتاب الله عز وجل، الذي لم تعهد البشرية في تاريخها كتابًا كان له من التعظيم والعناية والخدمة ما كان له، منذ نزوله إلى يومنا هذا؛ حفظًا وفهمًا وتدبرًا، وتنافسًا في تفسيره وشرح آياته، وبيان فضائله، واستنباط معانيه ووجوه إعجازه.. إلى غير ذلك مما يتعلق به، فهو كلية الشريعة، وعمدة الملة.. كتابٌ فتحت به أمصار، ونهل من منهله العلماء، وشرب من مشربه الأدباء، وذلّت له القلوب، وقام بتلاوته العابدون الراكعون الساجدون، فإن خير الناس من تعلّم القرآن وعلّمه، وتلاه حق تلاوته، وتدبّر آياته، وفَقِهَ معانيه، ووقف عند حدوده، وائتمر بأوامره، وانتهى عن نواهيه.

 

هذا الكتاب العظيم محفوظ من التحريف والضياع، والزيادة والنقصان قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر: 9]، وهو خاتم الكتب السماوية والمهيمن عليها: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ[المائدة: 48]، وهو المعجز والمتحدى به: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾[الإسراء: 88].

 

 

أخي المسلم!

هذا القرآن له حق على كل مسلمٍ كبيرٌ، وواجب عليه عظيم، ورأس هذه الحقوق: الإيمان به، وبكل ما جاء فيه، والإيمان بأنه كلام الله تعالى المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه محفوظ، لا يتطرق إليك أدنى شك في ذلك، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا[النساء: 136].

 

 

ومن حقوق القرآن: تلاوته وحفظه، وقد ندب الله تعالى إلى هذا، ووَعَدَ من قام به فضلًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا، روى الإمام مسلم رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»([ii]).

 

 

وروى الترمذي وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»([iv])، وقال صلى الله عليه وسلم: «تعاهدوا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها» والعُقُل: جمع عِقال، وهو ما يربط به البعير، ولذا فعليه بترديده وتكراره فهو أكثر لأجره، وأضبط لحفظه.

ولعل من المفيد لكل مسلم أن يجعل له وردًا يوميًّا منه لا يقل عن جزء، فلا يتكاسل عنه أو يقصر فيه بحال.

ومن حقوقه القرآن: تدبره وفهمه، والخشوع والبكاء عند قراءته، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]، وقال عز وجل: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩ [الإسراء: 109].

ومن الخير العظيم أن يقرأ القارئ بتمهل وترتيل وتدبر وتفهم، فإن القرآن كتاب هداية وإرشاد، وليجمع همته عند القراءة حتى يستحضر ذلك بقلبه، ويتأمل ما فيه من آيات الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، وأحوال الماضين والسالفين، وما يكون في المستقبل في الدنيا والآخرة.



([ii]) رواه أبو داود في الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة (1464)، والترمذي في أبواب القرآن (2915).

([iv]) رواه البخاري في كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة (73)، ومسلم في صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه (816).

([v]) رواه البخاري في فضائل القرآن، باب استذكار القرآن (5033)، ومسلم في صلاة المسافرين، باب الأمر بتعهد القرآن (791).



بحث عن بحث