من صور هذا الشرك الذي ابتلي به كثير من الناس

 

 

ومن صور هذا الشرك الذي ابتلي به كثير من الناس على مدار التاريخ:



دعاءُ غير الله تعالى من شمس أو قمرٍ أو مَلَك أو نبي أو ولي، في تفريج كربة أو تحقيق مطلوب لا يقدر عليه إلَّا الله، وهكذا الطوافُ والاستغاثةُ بأصحاب القبور والأضرحة، ودعاؤهم من دون الله، وكذا من يجعل لله شريكًا في التشريع، بأن يتّخذ مشرعًا من دون الله تعالى يرتضي حكمه، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[التوبة: 31].

 

 

أخي المسلم!

ما سبق الكلام عليه هو الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة، ويوجد نوع ثانٍ من الشرك يُسمَّى: (الشرك الأصغر)، ولا تعني تسميته بالأصغر أن أمره سهل وهيّن؛ بل هو من أكبر الكبائر التي يستحق صاحبها العقاب والجزاء، وقد حَدَّه بعضهم بأنه: كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعةٌ إلى الشرك الأكبر، ووسيلةٌ إلى الوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركًا، كيسير الرياء والتصنّع للمخلوق، وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة؛ بأن يعمل لحظِّ نفسه تارة، ولطلب الدُّنيا تارة، ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله من عمله نصيب ولغيره منه نصيب، ومن أمثلته على التفصيل:

 

1- الحلف بغير الله تعالى، روى الإمام أحمد والترمذي والحاكم بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»([ii]).

 

 

أخي المسلم!

إن القيام بالتوحيد بأقسامه الثلاثة، واجتناب الشرك بأنواعه، هو حق الله تعالى، الذي ورد في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا...»(

 

وذلك بحسب ما أوجزنا في هذا الدرس وفي الدروس السابقة، فمن قام بهذا الحق استحق -بفضل الله ورحمته- الشطر الثاني من الحديث، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا».

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مشيرًا إلى هذا الحق: «كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل، ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق» ا.ه. وإنه لتنبيه جيد.

 

 

أيها المسلمون الكرام!

أوصي نفسي وأوصي كلَّ مسلم بالعناية بهذا الحق الواجب عليه تجاه ربه؛ ليجدّد توحيده، ويتخلص من الشرك ووسائله، جعلني الله وإيَّاكم من المتذكرين المعتبرين، الذين يستحقون ما أوجبه الله على نفسه بفضله وكرمه، إنه سميع مجيب، وهو المستعان.


([ii]) رواه الإمام أحمد في المسند (5/428 - 429)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4/253) برقم (4301).

([iii]) رواه البخاري في كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف الرجل (5967)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة (30).



بحث عن بحث