حق الله تعالى (2)

توحيد العبادة(1)



الحمد لله الذي منّ علينا بالإيمان، ورزقنا الاستقامة على الإسلام، وجعلنا من أتباع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم يبعث الأنام.

 

 

أيها المسلمون الكرام!



تحدّثنا في الدرس السابق عن الحق الأول من الحقوق الواجبة علينا، وهو حق الله تعالى، وعرفنا أن حقه تعالى أعظمُ الحقوق وأوجبُها، ولا يسع مسلمًا الجهلُ به، ومن أهم حقوقه تعالى: توحيده جل وعلا، وقد أشرنا إلى توحيده في ربوبيته، وتوحيده في أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، وفي هذا الدرس نكمل ما يتعلق بأقسام التوحيد.

 

 

فمن ذلكم:

 

توحيد الإلهية والعبادة، وهو: ما خُلقت الجن والإنس من أجله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وقال سبحانه: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ [الزمر: 2]، وقال سبحانه: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]، وقال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ[هود: 123]، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖفَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 21 22]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَۖ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه: 14]، وقال تعالى: ﴿رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا[مريم: 65]، وقال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99].

 

فهذه الآيات كلها تقرر حق عبودية الله تعالى في الأرض، وأن الإنسان مكلف بها؛ بل ما أرسلت الرسل إلا لتبليغ هذه العبودية، كما قال تعالى في الآية التي ذكرت آنفًا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25].

 

وقال سبحانه عن نوح عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ، وقال هود عليه السلام لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [هود: 50]، وقال صالح عليه السلام لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ [هود: 61]، وقال شعيب عليه السلام لقوله: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ﴾[هود: 84]، وقال إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 79].

 

وهذا الحق -أخي المسلم- جاء مصرحًا به في السنة المطهرة، فيما رواه الشيخان في صحيحيهما عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: «يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا» فقلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا»([ii])، وفي رواية: «إلى أن يوحدوا الله»، وفي رواية: «إلى أن يعبدوا الله».

 

فالحق الواجب لله تعالى هو عبادته، وهي كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية : «اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة».

 

فهي -إذن- شاملة لجميع أقوال العبد وأعماله، سواء كانت أعمالًا قلبية، أم أعمالًا تقوم بها الجوارح، وسواء كانت أعمالًا باطنة خفية، أم أعمالًا ظاهرة.

 

والعبادة بهذا المفهوم هي توحيد الألوهية، وهي معنى (لا إله إلا الله)، وهذا التوحيد هو أول واجب على العبد المكلف، وأول ما يدخل به الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، وهو الذي أُنزلت به الكتب، وأُرسلت به الرسل، كما مرّ معنا في الآيات السابقة.

 

وكل سورة في القرآن الكريم داعية إلى هذا التوحيد إما صراحة وإما تضمنًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «فالدين كله داخل في العبادة» ا.ه.

 

ويعني هذا: أن كل عمل من الأعمال يجب أن ينطلق من عبودية الله تعالى والخضوع له، فما أمر الله تعالى به يؤدّى، وما نهى عنه يُجتنب، وما أوجب اعتقاده يُعتقد، من صغار الأمور وكبارها. فمبنى هذا التوحيد على صرف جميع أنواع العبادة كلها لله سبحانه، والإخلاص له فيها، من العقائد والأقوال والأعمال.



([ii]) رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة (1458)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (19).



بحث عن بحث