الوقفة الثانية (1-3)

      ثانياً: وقفة عند قوله صلى الله عليه وسلم: «قلت آمنت بالله«.

الإيمان في اللغة: هو التصديق، وفي الاصطلاح: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالإيمان بالله تعالى ليس تصديقاً بالقلب أو قولاً باللسان فحسب، بل لا بد وأن يتبعه العمل(1).

فالإيمان بالله يعني:

1-الإيمان بذات الله ووجوده وربوبيته، بمعنى الإيمان بأن الله خالق الكون، والمتصرف فيه، والمقدر لصغيره وكبيره، وأنه الرب المالك، والخالق الرازق، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ . وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ}(2) .

2-والإيمان بأن الله لم يخلق هذا الكون - بما فيه الثقلان - عبثاً ولا هملاً، وإنما لمهمة عظيمة، يقول تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ .فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}(3)، وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ . مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}(4)، بل خلق الثقلين ليعبدوه ويوحدوه، وخلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(5)، وقال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(6).

أي: أوجد الخلائق من العدم ليختبرهم أيهم أحسن عملاً، فلم يخلقهم عبثاً بلا حكمة، ولم يُخلقوا ليلعبوا ويعبثوا كما خُلِقَت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب عليها، وإنما خُلِقوا للعبادة وإقامة أوامر الله، وتقدس الله سبحانه وتنزه أن يخلق شيئاً عبثاً. والإيمان بأن الله تعالى لم يخلق الخلق سدىً يتلوه الإيمان باليوم الآخر، والحساب والجزاء فيه، وكل ما يتعلق بأمور الآخرة، والإيمان بهذه الأمور يحفز الإنسان للعمل لأجل الآخرة، وأن يلتزم كل ما أمره الله ورسوله.

3-ومن الإيمان: الإيمان بأن لله ملائكة يعبدون الله ويسبحونه لا يفترون، وكّل كلاً منهم بمهمة عظيمة، فمنهم مَن وُكِّل بالوحي، ومنهم بالموت، وبالجبال وبغير ذلك، نؤمن بذلك إجمالاً فيما جاء بالإجمال، ونؤمن تفصيلاً بما فصّل لنا في القرآن والسنة، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(7).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو: دخول الأعمال في مسمى الإيمان، وأن العمل يزيد الإيمان أو ينقصه. أما من لم يدخل الأعمال في مسمى الإيمان فهم المرجئة، وهو اعتقاد خطير؛ إذ يتساوى -على هذا المذهب- إيمان كبار الصحابة رضوان الله عليهم مع إيمان أفسق الناس.

(2) [الأنعام:1-3]

(3) [المؤمنون: 115- 116]

(4) [الدخان:38-39]

(5) [الذاريات: 56]

(6) [الملك:1-2]

(7) [البقرة:285]



بحث عن بحث