خواطر رمضانية (2)

في المقال السابق عشنا ثلاث خواطر رمضانية , وفي هذه الكلمات نكمل تلك الخواطر

الخاطرة الربعة: للبيوت شؤونها, ولها أسرارها الخاصة, وأحوالها المتنوعة, واهتماماتها المتعددة, وبخاصة في بلادنا المباركة حيث تعيش البيوت إجازة دراسية بعد سنين سابقة كان الأبناء والبنات يواصلون دراستهم في مدارسهم وكلياتهم مع الصيام والقيام.

ونظرة – عامة – يجول فيها الخاطر مع أحوال البيوت فيرى كثيراً من العجب في هذا الشهر المبارك, وتكاد ترى قواسم مشتركة, وبخاصة في تقسيم الوقت الذي يعيشه أكثر الناس تجدهم مستيقظين في ليلهم, ونائمين في نهارهم وبحجة أن هذا العام أكثر حرارة في الجو من غيره, وإن غُضّ الطرف عن هذا التقسيم فالمشكل جداًَ أيما إشكال فيما يترتب عليه سواء في التعامل مع الصيام, أو مع الصلاة, أو مع قضاء الوقت, أو مع استشعار عظمة الشهر, أو مع المطاعم والمشارب, ونحو ذلك من الأحوال الحياتية الأخرى.

ولعلي أذكر أنماطاً من تعامل البيوت مع هذا الشهر الكريم مما يستدعي إعادة النظر بشيء من الجدية لنحقق أهداف هذا الشهر المبارك, والغاية التي من أجلها شرع الله تعالى هذه الشعيرة المباركة وبخاصة أننا نعيش عشر رمضان الأخيرة وأفضلها.

  • فكثير من البيوت بل أغلبها حولت الليل إلى:

- برامج زيارات.

- متابعة لبعض الفضائيات والبرامج والمسابقات.

- وتجوال في الأسواق لمتابعة ماجدَّ في عالم الملابس والأحذية والعطورات وغيرها كما حولت النهار إلى نوم متواصل, والمزعج عند بعض هؤلاء أن تؤخر صلاة الظهر والعصر إلى أن يخرج وقتها.

  • وبيوت أخرى ركزت الهم والعمل على تصنيف المأكولات والمشروبات والتنوع فيها فأصبح شعاراً رمضانياً دون أن يصحب ذلك تحول في البرامج الإيجابية.

  • وشباب هجروا البيوت إلى الاستراحات والفضاء والمقاهي والملاعب فأصبحت بيوتهم كالفنادق فهي مجال للراحة والنوم, وتركوا الأهل والوالدين والأخوة والأخوات ناهيك عن سائر الأقارب والأرحام.

  • وآخرون منهم همهم وغاياتهم في قضاء أوقاتهم مع الرياضة وبخاصة في متابعتها مع الفضائيات, وحدث ولا حرج عن كثير منهم يعيشون ليلهم جدالاً لا ينقطع في التعليق على تلك المباريات وما جرى منها.

  • وأخريات من النساء لا تنتهي طلباتهن من الأسواق ولو كان في العشر الأواخر من رمضان.

  • وبيوت وبيوت, وأخرون وأخريات أنماط متعددة وسلوكيات متنوعة, ولا ننسى بيوتات موفقة وهي كثيرة, عرفوا قيمة الشهر, فقسموا أوقاتهم فاستمتعوا بما أباح الله لهم من الطيبات, ولم ينسوا فضل الشهر بالطاعات, فاستشعروا قيمة الزمن, وعظموا شعيرة الصيام, واستجابوا لنداء الله تعالى ونداء رسوله صلى الله عليه وسلم فعمروا الوقت بين الصيام والتراويح والجود والصدقة, والبر والإحسان والصلة والزيارة, والدعاء والذكر, ولم ينسوا الأموات من صدقاتهم ودعائهم والبر بهم, وعاشوا في قلوبهم ودعائهم ومشاعرهم مع إخاونهم في أنحاء العالم يتصدقون على الفقراء ويطعمون المساكين ويترحمون على الأموات, ويدعون لكل مسلم ومسلمة, ولنصرة الإسلام وعزة المسلمين.

هؤلاء موفقون, منصورون, مطمئنون, بشرهم الله تعالى برفعة درجاتهم, وتكثير أجورهم, وتكفير سيئاتهم, وسعادتهم في الدنيا والآخرة.

*  *  *  *  *  *

 

إن البيوت هي المجتمعات المصغرة, والدوائر الأولى التي تجمع المجتمع كله, فيا أرباب البيوت, ويا ربات البيوت, هل بيوتكم رخيصة إلى درجة إهمالها والبعد عنها؟

وهل هي من رخصها تُعرض في المزاد العلني للفضائيات والإنترنت والهاتف ليتسلل منها شياطين الإنس والجن فيخربونها حتى لم تعد صالحة للتربية على الخير والفضيلة؟

إن غلاء أهلك وبيتك أيها المسلم الصادق مع نفسه يحتِّم عليك النظر بشيء من الجدية, والشفقة, والرعاية, والحرص والحنان والمحبة والخير, لكي تعيد حساباتك, فتُقوّم نفسه في تعاملك مع بيتك فتجدد برامجه بما يتفق مع قدسية الشهر وبما لا يمنع من الاستمتاع بروحانيته, والأنس بداخله, والاطمئنان حال الخروج منه, والسرور مع أهله.

ولعل مما يفيد في ذلك, تقسيم الوقت ليتم المحافظة على الفرائض, والاجتماع قبيل الفطور وحال الإفطار ليتم الدعاء وفرحة الصيام عند الفطر, والحرص على أكله السحر في وقتها لتطبيق السنة في نيل بركة السحور, والدعاء في هذا الوقت الفاضل, ولعدم فوات صلاة الفجر مع الجماعة للرجال وتأديتها في وقتها.

ومما يفيد أيضاً: عدم تكثير الأنواع في المأكولات والمشروبات في اليوم الواحد فيقتصر على ما لا يشغل وقت النهار لكي يبقى وقت للنساء لقراءة القرآن الكريم وترتيله والتأمل فيه وبخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له تعامل خاص مع القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك.

ومن ذلك أيضاً: وضع مسابقة خفيفة, يومية أو أسبوعية, وشهرية لإيجاد روح التنافس بين أفراد الأسرة وتوضع الحوافز والتشجيعات ليتقدم الجميع في برامج الأسرة ويتم التنافس المحمود.

ومن ذلك أيضاً: توزيع المهام والأدوار فلا يكون ضغط العمل على الأم, أما البنات بين الفضائية والهاتف والنوم, وكذا بالنسبة للأب مع الأبناء, وهذا له مردوده الإيجابي الكبير حتى في مسارات الحياة كلها فيتربى الأبناء والبنات على ما يفيدهم وهذا مما يزيد في بركة الوقت أيضاً.

*  *  *  *  *  *

لا شك أن كل أب وأم حريص كل الحرص على بيته, ويود أن يكون بيته هو البيت المثالي, ولكن قد يخطئ الإنسان الطريق فلا يصل إلى مراده.

ولذا من الخير أن نتعامل مع أنفسنا وبيوتنا بشيء من الوضوح والصراحة والشفافية والصدق فتوضع النقاط على الحروف, وأظن أن من أنسب الأوقات شهر رمضان المبارك وبخاصة أن الأبناء والبنات في إجازة دراسية وبالأخص في هذه العشر الأخيرة من رمضان.

إن الغفلة أو التغافل عاقبتهما وخيمة, وربما تكون عاجلة فيندم الإنسان يوم لا ينفع الندم, ويقول: ياليت ياليت ولكن لا تنفع شيئاً ليت. نعم.

نعم قد تكون البداية متعبة أو مكلفة, أو هكذا يصورها الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء, ولكن الحقيقة ليست كذلك فلينطلق المسلم الصادق مع نفسه, ويكثر الدعاء, ويباشر الأسباب والعمل بها, وليبشر بتوفيق الله تعالى, ولتقر عينه بعمله وتربيته, وزوجه, وبيته, وفي دنياه وآخرته.

وفقني الله وإياكم لمرضاته

وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن



بحث عن بحث